صالح الجيتاوي
بقلم : حسني أدهم جرار |
المهندس صالح الجيتاوي شاعر من روّاد الشعر الإسلامي، وأديب إسلامي، بل هو مثال للأديب الإسلامي فكراً، وشعراً، وسلوكاً، والتزاماً.إنه شاعر صادق العاطفة، متقد المشاعر في كل ما ينظم ويكتب ويعمل..
وإن ما نلمسه في الجيتاوي من إيمان صادق متين، وعقيدة عميقة نيّرة، وفهم صحيح لهذه العقيدة، وواقع سلوكي وعملي منبثق عن الواقع النظري.. إنما يدل على معدن معين نفيس، وعقيدة صافية، وخلق رفيع.
حياته:
ولد الشاعر صالح عبد الله الجيتاوي عام 1943م، في قرية على بعد اثني عشر كيلو متراً إلى الغرب من مدينة نابلس بفلسطين، وفي تلك القرية والوادعة الجميلة نشأ الشاعر في أسرة فلسطينية متدينة، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية، وواصلها ودرس المرحلة الإعدادية في مدارس القرى المجاورة، وأتم دراسته الثانوية في مدارس مدينة نابلس –الجاحظ والصلاحية وكلية النجاح- ونال الشهادة الثانوية عام 1961م، وغادر فلسطين بعدها إلى مصر والتحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ونال شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1966م، وعمل بوزارة الأشغال العامة في الأردن، وعندما وقعت البقية الباقية من فلسطين عام 1967م بيد يهود غادر الجيتاوي إلى السعودية ومكث فيها أربعة عشر عاماً عمل خلالها في وزارة المواصلات وشركات القطاع الخاص، ثم عاد إلى الأردن عام 1981م وقام بإنشاء مكتب هندسي خاص في عمان مارس من خلاله أعمال إنشاءات المباني، وما زال يعمل فيه حتى اليوم.
ولئن كان عمل الجيتاوي يرتبط بإقامة المباني من القواعد والارتفاع بها في أشكال منتظمة تسرّ الناظرين، وتدفع ساكنيها إلى التمتع بما يحيط بها من مناظر خلابة وجو ساحر لطيف. فإن له مع هذا العمل نشاطاً آخر، يقوم على البناء الفكري، حيث ينظم لأبناء أمته قصائد وأبيات من الشعر يُطلّون من خلالها على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمان، ويجدون في هذه الأشعار ما يرتفع بالأخلاق ويبني القيم ويعالج النفوس.. وهذا شأن المسلم الملتزم بإسلامه، الذي لا تُقعده عمارة الأرض والبنيان عن عمارة مكوّنات الإنسان.
ولهذا فإن الجيتاوي نشاطاً أدبياً في المجتمع الذي يعيش فيه.. شارك من خلاله في عدد من الندوات الشعرية التي تُقام في المدن الأردنية وخاصة في رابطة الأدب الإسلامي بعمان، كما نشر مجموعة من قصائده الشعرية في عدد من الصحف والمجلات، وما زال يواصل نشر إنتاجه الجديد.
شعره:
الجيتاوي شاعر آمن بالإسلام فكراً وعقيدة، والتزمه منهجاً وسلوكاً.. بدأت رحلته مع الشعر منذ السنة الثانية عشرة من عمره، إلا أن انشغاله مع الهندسة –دراسة وعملاً- لم يعطه الفرصة لنشر أشعاره في وقت مبكر.
هذا الشاعر آمن بالشعر رسالة وموقفاً والتزاماً، ونبذ المذاهب الوافدة، التي لا تناسب نقاء الدين وسلامة القيم والتقاليد، وبيّن الغرض من شعره في قوله: “أنا لا أقوله متاجراً ولا مفاخراً، ولا أنشده لاهياً أو لاغياً، ولا ضالاً أو مضلاً، ولكني آتي به مستغفراً، وساعياً راجياً، وحادياً مستنفراً”(1)
من خلال دراستنا لشعره الذي بين أيدينا وجدنا له شعراً في كثير من أغراض الشعر ومجالاته، فقد طرق في شعره مواضيع دينية ووطنية واجتماعية، عالج فيها ما آل إليه حال الأمة الإسلامية بجرأة وصدق وأمانة..
والقارئ لشعر الجيتاوي يرى أنه قام على الالتزام بعقيدة التوحيد، وانطلق من الفكر الإسلامي السامق الذي يبدو الاعتزاز به والانتماء إليه في كل قصيدة من قصائده.
يقول شاعرنا في قصيدة له بعنوان “القسم”(2)
قسماً لمن iiنحيدْ |
|
عن كتاب iiمجيدْ أو فقدّنا الدثارْ |
ويقول في قصيدة “معالم”(3):
الله ربي والرسول iiإمامي |
|
لا أنتمي إلا إلى iiإسلامي |
والجيتاوي شاعر أسلم زمامه لمولاه وعاش يرجو رحمته ويطمع في هداه.. يقول في قصيدة بعنوان “مع الله”(4):
ربّ أسلمت زمامي iiلرضاكْ |
|
ربّ أوثقتُ عقالي في iiحماكْ |
وهو يلجأ إلى الله سبحانه بالصلاة والدعاء -وخاصة وقت الشدائد- اقتداء بالرسول القائد عليه السلام الذي كان إذا اشتد كربه قال: “أرحنا بها يا بلال”.. فيقول في قصيدة بعنوان “في صحبة السجادة”(5)
أبُنيّة هاتي iiالسجادة |
|
فإليها قد تاقتْ iiنفسي |
ويخاطب اللاهين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وألهتهم عن الآخرة، فقنعوا بالمناصب والمتاجر، وقصروا عن القيام بواجباتهم نحو دينهم وأمتهم ووطنهم.. فيقول في قصيدة بعنوان “نذير”(6)
يا من رضيتَ من الحياة بمنصب أو متجر
وبمركب أعددته لوجاهة وتكبّر
وبمنزل زخرفته من كل لون مُبهر
هل يا ترى إن فاجأتك يدٌ من المستعمر
تحمي متاعَك أم تصيرُ لخيمةٍ في مهجر؟!
ثم يخاطب هؤلاء الذين لم يعتبروا بأحداث الزمان، ولجّوا في العتو والضلال، وران على قلوبهم ما كسبوا، فغدوا في عَمَهٍ وعِمايه:
يا من يعيش على الضلالة ممعناً في غيّه
يُملي له شيطانه يُنسيه هذي نبيّه
أحلامه شطحات مطموس الفؤاد عَميّه
وخُطاهُ صدٌ وانتكاس وابتعادُ هويّه
أأمنت مكرَ شديده في صُبحه وعشيّه!؟
من رجفة أو خسفةٍ أو صاعقٍ بدويّه؟!
تُنسي النعيم كأنه ما قد مضى بسنيّه
والجيتاوي شاعر عاش قضايا أمته معايشة حية صادقة، فانفعل بها، وصوّرها فأحسن التعبير عنها.. ومن يتصفح ديوانه “صدى الصحراء” يدرك أنه شاعر حيّ الفؤاد، رقيق الإحساس، يحسن التعبير عما يختلج في صدره من آلام، فعندما وقعت نكبة فلسطين الأولى، وتم تشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين نرى شاعرنا الجيتاوي ينظم قصيدة بعنوان “زفرات لاجئ يتيم” يجري فيها على لسان طفل لاجئ يتيم، كلاماً يعبّر عن مدى الشقاء الذي يعانيه، والحرمان الذي يكابده، فيقول:
أيُّ درب فرشُهُ شوكٌ وآلامٌ كدربي؟!
أيُّ قلبٍ دفقهُ سِلٌّ وتبريحٌ كقلبي!؟
أيُّ داءٍ مثلُ دائي يتأبّى كلّ طب؟!
أين في الدنيا كتشريدي وحرماني وكربي؟!
واقرأ معي قصيدته “رسالة الدم المطلول” التي اشتملت على ما يقارب مئة البيت، وجاءت من أجود ما يصوغ شاعر قوة سبك وجزالة لفظ وحسن أداء، نظمها في شهر حزيران 1982م عندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان حتى بيروت، وضربت حصاراً حول بيروت ونكّلت بعشرات الألوف من المسلمين واستخدمت جميع أنواع الأسلحة الفتاكة دون أن يتحرك العرب والمسلمون لنجدة إخوانهم المحاصرين بأكثر من الاستنكارات.. يقول الجيتاوي في هذه القصيدة(7):
بئس الذِّمام وبئس الأهل iiوالعصب |
|
بئس النفّار وبئس الحشدُ iiوالجلَبُ وضاقت الروح من همّ له iiذنب |
ولما حاول اليهود اغتيال المجاهد خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- أمام مكتبه في شارع الجاردنز بعمان.. وهاجمه عميلان من “الموساد” بجهاز يضخ السم في الجسم، ونفذا العملية وهربا.. ولحق بهما مرافقه الخاص المجاهد البطل محمد أبو سيف، وطاردهما وتمكّن من اللحاق بهما وتعارك معهما، وتمّ القبض عليهما.
نظم شاعرنا الجيتاوي قصيدة طويلة بعنوان “خيّال الجاردنز” تحدّث فيها عن عملية الموساد الدنيئة، ووصف بطولة محمد أبو سيفْ.. وقال فيها(8):
أنت رفيعُ القدر (أبو سيفْ)
وأنا شاعرُك الهيمانُ (أبو كيف)
أيقظتَ بلابل روحي بعد سنينْ
تأخذُ من عُرسكَ فرحاً للأجيالْ
أهزوجة عيدٍ للأطفالْ
عِطراً للسُّمار.. معراجاً للأقمارْ
ستظلُّ على شفةِ الوطن (عتاباً ومواويلْ)
يرفعُها (الكرملُ) و(المنطارُ) و(جرزيم)
نسيت البيت: ستظل مواسم فرح وقناديل
سيظلُّ اسمك شُرفة أمل
(لأبو غنيم) (وباب الوادْ)
سيظلُ ربيعاً.. يتجدد في روض الأمجاد
وستبقى، ما بقيَ الفلكُ.. كتاب وفاءْ
ويرى الجيتاوي أمته الإسلامية تعيش في هوان.. حماها مستباح، وأبناؤها كثيرون ولكنهم كغثاء السيل قلت مهابتهم في عيون جميع الأمم.. فجاء شعره فيه جمرات من الحرقة والألم على واقع أمته وعلى ما أصابها من كوارث وما ألمّ بها من نكبات.
ومن جمرات الحرقة والألم ما بثه الشاعر مناجياً ولده عبد الرحمن في قصيدة “مواجع وآمال” فيقول(9):
عبد الرحمن أيا iiولدي |
|
أأبثُّكَ شيئاً من iiكمدي |
ثم يبوح بكل ما في قلبه من ألم وحسرة وقهر ولوعة على أبناء أمته الذين يُعدّون بالملايين، فيصفهم بقوله(10)”
في العدّ ملايين iiلكن |
|
في القدر هباءٌ iiوالعُددِ |
ومن قصائده التي تتضح فيها هذه المعاني قصيدته “نداء” التي يرى فيها أبناء الأمة سكارى وما هم بسكارى.. ما تكاد تمرُّ بهم نكبة حتى يتهيئوا لأخرى أفتك وأشد.. فيقول(11):
يا أمتي حتام iiسكرى!؟ |
|
والنائبات عليك iiتترى!؟ |
ويصور حال أمته وقد استكانت وطال بها الخبال، أصدق تصوير فيقول:
تمضي السنون ونحن iiفي |
|
مر المصائب iiنرزح |
ولكن قوة الإيمان وعزة المؤمن عند شاعرنا تأبيان له القنوط، فلا بدَّ لليل أن ينجلي، وينبثق الفجر ويملأ ديارنا بالأنوار.. فأمتنا باق فيها الخير إلى يوم القيامة، وتباشير الصحوة الإسلامية بدأت تقرع الآذان.
يقول شاعرنا في قصيدة بعنوان: “البطل الشهيد(12)”
عادت الآمال عندي ثرّة |
|
ورَبَت في خاطري من بعد غَيض |
ويُذكر أبناء أمته المجيدة ببطولات أجدادهم الميامين، ويدعوهم إلى التمسك بتعاليم القرآن.. فيناديهم بكلمات كأنما قُدّت من الأكباد، وغُذّيت بدماء القلوب، فجاءت عواطف ثائرة، وأحاسيس ناطقة تغزو الآذان وتنفذ إلى القلوب.. فيقول(13):
يا أمّتي هلا من التاريخ موعظة مُنيرهْ
من بعد أعوام من التيه المُمزق للعشيرهْ
يُنبيكِ (خالدُ) و(المثنى) بالبطولات المثيرهْ
يُنبيك (طارق) كيف تُفتتح الديارُ ولا ذخيرهْ
يَحكي (صلاح الدين) كيف تُحرّر القدسُ الأسيرهْ
ويقصُّ (بيبرسٌ) عليك هزيمة الجند المغيرهْ
(والفاتح) المقدامُ كيف تُذللُ المدن العسيرهْ
وتشيرُ آلافُ السنين لحكمةِ الله الكبيرهْ
أن لا خلاص ننالهُ من هذه الحال المريرهْ
إلا إذا حكم الكتابُ و(أحمدٌ) قاد المسيرهْ
وترى في شعره ومضات مشعة من الأمل، وتطلعات إسلامية إلى مستقبل مشرق، وعودة إلى الله تأخذ بالأيادي المتوضنة إلى سواء السبيل، ومن ومضات الأمل المشعة قوله(14):
لئن طال ليلي ستشرق شمسي |
|
وتجلو همومي وتمسح بؤسي |
وللجيتاوي شعر اجتماعي جيد النظم، منتقى الألفاظ، جلي المعاني، إسلامي الموضوع، موفق الأداء لفظاً ومضموناً.. له أثر في النفس أيّ أثر.. استمع إليه في قصيدته الرائعة “الجلباب” التي نظمها بمناسبة انتشار الزي الإسلامي المبارك بين المسلمات، فيرى فيه لباساً للطهر والفضيلة، ويحث البنات على التمسك به وعدم خلعه.. ويصف هذا اللباس الشرعي فيقول(15):
حيّاك المولى من iiمنظرْ |
|
يا ذاك الجلباب iiالأخضرْ |
ويتحدث في نفس القصيدة عن الفتاة المسلمة التي تعتز بإسلامها وتحسن تربية أبنائها، وتفخر بهذا اللباس، فيقول:
أنا بنت من صُنع iiالقرآن |
|
يُسدّدني خوف المَحشرْ |
وله شعر في الوجدانيات يُنبئ عن قلب كبير نابض بالحب والمودة والصفاء.. شعر يسكبه شذا عطراً ويرسله أغاريد عذبة حين يتحدث عن بناته مثلاً.. فنراه يخاطب ابنته “ميسون” بقوله (16):
ميسونُ تيهي في ثيابك وانعمي |
|
تغذوك من قلبي الحشاشة iiفاسلمي |
والجيتاوي أب تراوده آمال عذبة، فهو يطمح للأبناء أن يحققوا ما عجز عنه الآباء. وهو يريد لولده أن يكون ولداً صالحاً عالماً بالقرآن، وأن يرفع راية التوحيد لإعلاء كلمة الحق، فيقول (17):
عبد الرحمن أيا ولدي |
|
يا أملاً يكمنُ في خلدي واحفظهم وانصرهم iiوَذُدِ |
ومن شعره الرائع قصيدته “مع الطبيب” التي أبدع فيها في التعبير عن خلجات نفسه.. وهو يرى طفله في حالة مرض شديد قلا يقرّ له قرار، ولا تهدأ له نفس، ويودّ لو استطاع إمداده بدم الفؤاد.. فهو يحمل طفله إلى الطبيب ويقول(18):
أتيتكَ يا طبيب بصنو روحي |
|
فضمّد إذ تُداويه iiجُروحي |
وللجيتاوي شعر في مجالات أخرى من الشعر غير التي ذكرناها.. له في الرثاء شعر فيه عاطفة صادقة.. كقصيدته “في وداع المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي” التي يقول فيها(19):
أدّى أمانة دينه iiبجهاده |
|
وبصبره في كل خطب iiمُفجع |
وله في المناسبات الإسلامية.. كقصيدته “في ذكرى مولد الرسول” التي يقول فيها(20):
سيدي: قد صدقتنا iiالقول |
|
والنصح وأنت الصّدوق ما من جدل |
وله في الوصف.. كقصيدته “ذكرى معركة الكرامة” التي يصف فيه ثبات المجاهدين وأثر المعركة على المسلمين في ميدان القتال، والتي يقول فيها(21):
يوم الكرامة يومٌ كان مطلعُهُ |
|
قدومَ سعدٍ على الإسلام iiوالعرب |
ولشاعرنا قصائد من الشعر الحديث (الحر) ومع ما لنا من ملاحظات على الشعر الحديث لا نرضاه بسببها بديلاً للشعر الأصيل إلا أن قصائد الجيتاوي جاءت دفقة شعرية معبّرة لما يعتمل في النفس من عاطفة ووجدان.. يقول الشاعر في قصيدة عن الأقصى(22):
يا مسجدي.. إن يحرقوك ويهدموكْ
يا مسجدي.. إن يخذلوك ويُرخصوكْ
فلقد أقمتُك في فؤادي
وصهرتُ غضبتَك الرهيبة في مدادي
وسفحتُ فيك مدامعي
وجعلت تُربكَ من رمادي
من مقلتي.. من أعظمي
ونقعت غُلتك الأبية من دمي
وشببت نارك في النجوم وفي الذرا
لأنير درب السائرين
وشدوت باسمك في الصباح وفي المسا
لأثير وجد العاشقين
وقرعتُ طبل الهول من ألم النوى
فلعلني أنهي سُبات النائمين
ويقول في قصيدة بعنوان “دعاء”(23):
سل عن مصائب أمتي تلك القِلاع
أصل المآسي والضّياع
ويتساءل فيها عن قلاع الإسلام الشامخة التي تدل على عز مضى، وسؤدد ضاع، وكرامة دُفنت.. يزورها الناس وهم لاهون، لا تنبعث في قلوبهم حسرة، ولا تتحرك في نفوسهم نخوة، فيصف هؤلاء الناس الذين تبلد إحساسهم بقوله:
شكلُ العيون ولا عيون
صُمٌّ وبكمٌّ تائهون مُخدّرون
أولى بنا أن لا نكون
من أمة الأنعام تحسبُنا خُلِقنا للحلائب والركوب
وإذا تململنا سُحقنا
صرنا ثماثيلاً وأشباحاً تدبّ على الدروب
ويتحسر على الشباب الذين تتلمذوا على الغرب وأخذوا من الحضارة كل ساقط وهزيل، وانصرفوا عن الخير.
وصنائع الغرب الحقود كأنهم زُمَرُ القرود
حسبوا الحضارة في مُحاكاة البرودْ
تركوا الأصالة والفضيلة
وتنكبوا درب الهُدى
واستحسنوا عيش الرذيلة
وفي آخر القصيدة يعيب الشاعر على الطبيعيين الذين تتلمذوا على موائد الإلحاد وقالوا إن الطبيعة هي التي خلقت الإنسان.. فهم بعلمهم هذا لم يبلغوا علم الأعرابي القائل: البعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير.. فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج.. أفلا تدلّ على اللطيف الخبير… يقول الجيتاوي(24):
وبني الطبيعة، ويحهمْ!
أيشكُّ في الله العظيم سوى الذي فقد الحجا؟
وغدا من الأحياء مَسخاً شأنها لا يُرتجى؟
أهي العمالة والمكابرة العميّة؟.
أهي الخيانة والمروق؟
أهي انتكاسُ العقل والفطر السويّة؟
الشهب في عليائها
والطير في أجوائها
والبهم في بيدائها
والهائمات على هواها
والشمس في إشراقها
والليل لما أن تلاها
كلّ يُسبّح للإله بحمده
كلّ يُميّز غيّهُ من رشده
إلا الطبيعي السّفيه
آثاره الأدبية:
1 – صدى الصحراء – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 1983م.
2 – قناديل على مآذن القدس – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 2001م.
3 – قول متدارك على البحر المتدارك – بحث عروضي.
4 – له ديوان شعر مخطوط للأطفال بعنوان “روضة البلابل” وكتاب عن الشعر الحر.
مصادر الدراسة:
1 – ديوان “صدى الصحراء” عمان 1983م.
2 – ديوان “قناديل على مآذن القدس” عمان 2001م.
3 – المِدرّة (رحلة أدبية نقدية) بقلم الدكتور زكي الشيخ حسين كتانة.
4 – رسالة شخصية وقصائد مخطوطة موجهة للمؤلفين.
5 – قصائد منشورة في الصحف والمجلات.
مختارات من شعره:
(1) أشجان الإسلام: هذه القصيدة نظمها الجيتاوي عام 1402هـ/1982م.. وهو يرثي فيها دولة الإسلام، ويتألم لما يجد من جهل وفقر ومرض، وتمزيق وذل وتخلف.. ويرى تآلب أمم الإلحاد والصليبية والصهيونية على المسلمين، وتعرّض ديار الإسلام إلى هجمة شرسة في كل ناحية من نواحيها.. ومما يُحزن شاعرنا ويزيد من ألمه، ما آلت إليه أوضاع أمته، وما طرأ على حياة أبناء مجتمعه، من عادات مرذولة، وأخلاق هابطة، تتنافى مع تعاليم الإسلام، كانتشار الظلم وانعدام الخير، وتقطيع الأرحام، وشيوع المنكرات، حتى غدت الكثيرات من النساء سافرات في كل ميدان، تغري بالغواية، وتدفع إلى المعصية، بعد أن استبدّت الغرائز بالنفوس، وتحكمت الأهواء في الأجسام والعقول..
ونرى الجيتاوي يتساءل بألم ومرارة عن مدى مسيرنا في ليل التيه، وصحراء الذل والهوان، حاثاً أمته وأبناء قومه على العودة إلى منهج الإسلام ففيه عز الدنيا وسعادة الآخرة.
إن هذه القصيدة لتعبّر عن بعض ما يجيش في نفس شاعرنا، وفي نفس كل مسلم غيور، من مشاعر إزاء هذا الواقع المؤلم.
وقد تأثر الجيتاوي فيها بقصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، والتي يقول فيها:
لكلّ شيء إذا ما تم iiنقصان |
|
فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان |
فالرنّدي يرثي الأندلس، والجيتاوي يرثي دولة الإسلام وعزّة المسلمين، في فلسطين والفلبين وكشمير والشيشان وأفغانستان وغيرها من ديار الإسلام التي تسلط عليها الأعداء.
أشجان الإسلام(25):
لا تسأل العين فيم الدمعُ iiهتانُ |
|
طغت على القلب آلامٌ iiوأحزانُ |
مختارات من شعره(27) الغضبة القدسية: كانت القدس وما زالت تحتلّ مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، فهي بلد الإسراء والمعراج، وفيها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين..
وقد ارتبط المسجد الأقصى بعقيدة المسلم حينما ربطه القرآن الكريم بمكة المكرمة في سورة الإسراء، وغدت حمايته والدفاع عنه، وتحريره من أيدي الغاصبين واجباً على كل مسلم ومسلمة..
وفي عام 1387هـ/1967م قام اليهود باحتلال مدينة القدس، واحتلال جميع فلسطين.. ووقع المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم، وقاموا بالاعتداء عليه مرات ومرات، وحرقوا منبر صلاح الدين، والعرب والمسلمون ينظرون إليهم في ذل واستكانة ولا يتحركون..
ولما رأى شاعرنا الجيتاوي هذا الحال، ولاحظ أن مشاعر اليأس قد استبدّت بالناس.. انبرى يشجع أبناء أمته ويدعوهم إلى خلع أردية الغفلة، وأثواب اليأس والقعود، ويدعوهم إلى مجابهة الباطل ومقارعة العدوان، وتحرير القدس الشريف.
فجاءت هذه القصيدة عام 1401هـ/1981م نابعة من أعماق نفس معذّبة، وفؤاد مكلوم، بذكر القدس وفلسطين في كل نبضة من نبضاته وكل خلجة من خلجاته، وهو يتطلع إلى أرض مباركة وشعب مؤمن وغد مشرق.
الغضبة القدسية(28):
دع عنك خادعة iiالأماني |
|
وانهضْ فما هذا iiالتواني |
طاشت حُلومهمُ وما ثبتوا على قرع iiالشُّنان |
مختارات من شعره:
(43) وللعامل وسام: لقد كرّم الإسلام العامل، ورفع من شأنه، وعلّمه الأمانة والإخلاص وإتقان العمل.. يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ويقول: “من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له”.
ولكن هذا العامل الذي يبني بعمله المجتمع، وتقوم على نشاطه نهضة الأمة، ويسعد بإنتاجه الناس.. أغفله المجتمع في هذه الأيام.. وكانت لفتة طيبة من شاعرنا الجيتاوي بأن ينظم قصيدة جميلة رائعة عام 1985م يمجد فيه العامل، ويعلي من شأنه، ويشركه في بناء الوطن، ويصف ألواناً كثيرة من نشاطه المتعدد الذي يبدؤه كل يوم باسم الله، وفي طاعة الله ومراقبته، بعد أن يصلي الفجر ويقرأ القرآن، وينطلق إلى عمله بهمة ونشاط وإيمان..
هذه القصيدة التي استهلها الجيتاوي بقوله:
رُشوا الطريق ندىً وزهرا |
|
لفتى يغذَّ السيرَ iiفجرا |
إنّ فيها من التكريم والتمجيد للعمل والعمال بما يدفعهم إلى الرضا عن أنفسهم، والاعتزاز بعلمهم، والثبات على الإيمان.
وللعامل وسام(44):
رشّوا الطريقَ ندىً iiوزهرا |
|
لفتى يغذُّ السير فجرا |
الهوامش
(1) ديوان “صدى الصحراء” ص 21.
(2) ديوان “صدى الصحراء” ص 109
(3) ديوان “صدى الصحراء” ص 105
(4) مجلة الأمة –العدد الثلاثون عام 1403هـ، ص 27.
(5) صدى الصحراء ص 81.
(6) صدى الصحراء ص 115.
(7) صدى الصحراء ص 63.
(8) ديوان “قناديل على مآذن القدس” ص 65.
(9) صدى الصحراء ص118.
(10) صدى الصحراء ص120. (11) صدى الصحراء ص112.
(12) صدى الصحراء ص112 (13) صدى الصحراء ص113
(14) صدى الصحراء ص51. (15) صدى الصحراء ص148
(16) صدى الصحراء ص178 (17) صدى الصحراء ص122
(18) صدى الصحراء ص176 (19) صدى الصحراء ص127
(20) جريدة الرأي الأردنية في 23/13/1983م.
(21) صدى الصحراء ص102
(22) صدى الصحراء ص30
(23) صدى الصحراء ص192
(24) صدى الصحراء ص195
(25) صدى الصحراء ص88
(26) إشارة إلى (باقل) وهو رجل يضرب به المثل في العي من ربيعة.
(27) رجل يضرب به المثل في الفصاحة من وائل. (28) صدى الصحراء ص25.
(29) وقع المسجد الأقصى في أيدي اليهود سنة 1967م 1387هـ.
(30) عندما زحف صلاح الدين بجيوشه لاسترداد الأقصى من الصليبيين كان قد صنع منبراً في حلب وأخذ يحمله معه في تنقلاته إلى أن دخل القدس وركب المنبر في المسجد الأقصى وأوفى بنذره وقد أحرقه اليهود في حادث اعتداء واضح سنة 1969م.
(31) أي مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.
(32) سخائمهم: المقصود غضبهم.
(33) إشارة لقول جرير:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
(34) إشارة لقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضبانا
(35) إشارة لقول بشار بن برد:
غضبنا عليهم غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
(36) من أنواع السيوف.
(37) من أنواع السيوف.
(38) عوان: أسيرات.
(39) العوان: الشديدة المستمرة.
(40) إشارة للآيات الأخيرة من سورة الصف.
(41) النجيع: الدم.
(42) الغمرات: الشدائد.
(43) ديوان “قناديل على مآذن القدس” ص19 – 21، والدستور الأردنية – أيار 1985م.