سيرة ومسيرة

صالح الجيتاوي

بقلم : حسني أدهم جرار

المهندس صالح الجيتاوي شاعر من روّاد الشعر الإسلامي، وأديب إسلامي، بل هو مثال للأديب الإسلامي فكراً، وشعراً، وسلوكاً، والتزاماً.إنه شاعر صادق العاطفة، متقد المشاعر في كل ما ينظم ويكتب ويعمل..

وإن ما نلمسه في الجيتاوي من إيمان صادق متين، وعقيدة عميقة نيّرة، وفهم صحيح لهذه العقيدة، وواقع سلوكي وعملي منبثق عن الواقع النظري.. إنما يدل على معدن معين نفيس، وعقيدة صافية، وخلق رفيع.

حياته:

ولد الشاعر صالح عبد الله الجيتاوي عام 1943م، في قرية على بعد اثني عشر كيلو متراً إلى الغرب من مدينة نابلس بفلسطين، وفي تلك القرية والوادعة الجميلة نشأ الشاعر في أسرة فلسطينية متدينة، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية، وواصلها ودرس المرحلة الإعدادية في مدارس القرى المجاورة، وأتم دراسته الثانوية في مدارس مدينة نابلس –الجاحظ والصلاحية وكلية النجاح- ونال الشهادة الثانوية عام 1961م، وغادر فلسطين بعدها إلى مصر والتحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ونال شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1966م، وعمل بوزارة الأشغال العامة في الأردن، وعندما وقعت البقية الباقية من فلسطين عام 1967م بيد يهود غادر الجيتاوي إلى السعودية ومكث فيها أربعة عشر عاماً عمل خلالها في وزارة المواصلات وشركات القطاع الخاص، ثم عاد إلى الأردن عام 1981م وقام بإنشاء مكتب هندسي خاص في عمان مارس من خلاله أعمال إنشاءات المباني، وما زال يعمل فيه حتى اليوم.

ولئن كان عمل الجيتاوي يرتبط بإقامة المباني من القواعد والارتفاع بها في أشكال منتظمة تسرّ الناظرين، وتدفع ساكنيها إلى التمتع بما يحيط بها من مناظر خلابة وجو ساحر لطيف. فإن له مع هذا العمل نشاطاً آخر، يقوم على البناء الفكري، حيث ينظم لأبناء أمته قصائد وأبيات من الشعر يُطلّون من خلالها على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمان، ويجدون في هذه الأشعار ما يرتفع بالأخلاق ويبني القيم ويعالج النفوس.. وهذا شأن المسلم الملتزم بإسلامه، الذي لا تُقعده عمارة الأرض والبنيان عن عمارة مكوّنات الإنسان.

ولهذا فإن الجيتاوي نشاطاً أدبياً في المجتمع الذي يعيش فيه.. شارك من خلاله في عدد من الندوات الشعرية التي تُقام في المدن الأردنية وخاصة في رابطة الأدب الإسلامي بعمان، كما نشر مجموعة من قصائده الشعرية في عدد من الصحف والمجلات، وما زال يواصل نشر إنتاجه الجديد.

شعره:

الجيتاوي شاعر آمن بالإسلام فكراً وعقيدة، والتزمه منهجاً وسلوكاً.. بدأت رحلته مع الشعر منذ السنة الثانية عشرة من عمره، إلا أن انشغاله مع الهندسة –دراسة وعملاً- لم يعطه الفرصة لنشر أشعاره في وقت مبكر.

هذا الشاعر آمن بالشعر رسالة وموقفاً والتزاماً، ونبذ المذاهب الوافدة، التي لا تناسب نقاء الدين وسلامة القيم والتقاليد، وبيّن الغرض من شعره في قوله: “أنا لا أقوله متاجراً ولا مفاخراً، ولا أنشده لاهياً أو لاغياً، ولا ضالاً أو مضلاً، ولكني آتي به مستغفراً، وساعياً راجياً، وحادياً مستنفراً”(1)

من خلال دراستنا لشعره الذي بين أيدينا وجدنا له شعراً في كثير من أغراض الشعر ومجالاته، فقد طرق في شعره مواضيع دينية ووطنية واجتماعية، عالج فيها ما آل إليه حال الأمة الإسلامية بجرأة وصدق وأمانة..

والقارئ لشعر الجيتاوي يرى أنه قام على الالتزام بعقيدة التوحيد، وانطلق من الفكر الإسلامي السامق الذي يبدو الاعتزاز به والانتماء إليه في كل قصيدة من قصائده.

يقول شاعرنا في قصيدة له بعنوان “القسم”(2)

قسماً  لمن  iiنحيدْ
من  حكيم  iiحميدْ
قسماً   لن  iiنحيدْ
إنْ  سُلبنا  iiالديارْ
فاشهدي  يا iiقِفارْ
قسماً   لن  iiنحيدْ

عن  كتاب iiمجيدْ
عن رسول رشيدْ

أو   فقدّنا  الدثارْ
يا  سَما  يا iiبحارْ

ويقول في قصيدة “معالم”(3):

الله  ربي  والرسول  iiإمامي
أنا لست أحمل شارة إلا التي
من أمة الإسلام عنواني iiولن

لا  أنتمي  إلا  إلى  iiإسلامي
أثر السجود يقيمها في iiهامي
تلقاه   بعد   مميزاً   بأسامي

والجيتاوي شاعر أسلم زمامه لمولاه وعاش يرجو رحمته ويطمع في هداه.. يقول في قصيدة بعنوان “مع الله”(4):

ربّ  أسلمت زمامي iiلرضاكْ
لا  يُنير الدرب إلا من iiسناكْ
إن  دجا  الليل  وغارت أنجمُ
إن  رمى  الدهر  بسهم  iiنافذ
إن  هَوَتْ  آمال  عمر  كادح
إن  طغى  الظلمُ وأبدى iiسيفه
ما    لقلبي    سيدٌ   أو   قيّمٌ

ربّ  أوثقتُ عقالي في iiحماكْ
ما بقلبي غيرُ فيض من هداكْ
إن  فشا  الداء  ولانت iiأعظمُ
إن  قسا  العيش وشحّ iiالمطعَمُ
إن  جفا الناسُ وإن هم iiلوّموا
وتراءى   في  خيالي  iiالمأتمُ
غيرك    اللهم   أو   iiمستلهم

وهو يلجأ إلى الله سبحانه بالصلاة والدعاء -وخاصة وقت الشدائد- اقتداء بالرسول القائد عليه السلام الذي كان إذا اشتد كربه قال: “أرحنا بها يا بلال”.. فيقول في قصيدة بعنوان “في صحبة السجادة”(5)

أبُنيّة    هاتي    iiالسجادة
أجلو    أحزاني   iiبعبادة
عهداً  من  خير  iiوسعادة

فإليها   قد   تاقتْ  iiنفسي
أتضلّع  من فيض iiالأُنس
مع ربّ السّدرة والكرسي

 ويخاطب اللاهين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وألهتهم عن الآخرة، فقنعوا بالمناصب والمتاجر، وقصروا عن القيام بواجباتهم نحو دينهم وأمتهم ووطنهم.. فيقول في قصيدة بعنوان “نذير”(6)

يا من رضيتَ من الحياة بمنصب أو متجر

وبمركب أعددته لوجاهة وتكبّر

وبمنزل زخرفته من كل لون مُبهر

هل يا ترى إن فاجأتك يدٌ من المستعمر

تحمي متاعَك أم تصيرُ لخيمةٍ في مهجر؟!

ثم يخاطب هؤلاء الذين لم يعتبروا بأحداث الزمان، ولجّوا في العتو والضلال، وران على قلوبهم ما كسبوا، فغدوا في عَمَهٍ وعِمايه:

يا من يعيش على الضلالة ممعناً في غيّه

يُملي له شيطانه يُنسيه هذي نبيّه

أحلامه شطحات مطموس الفؤاد عَميّه

وخُطاهُ صدٌ وانتكاس وابتعادُ هويّه

أأمنت مكرَ شديده في صُبحه وعشيّه!؟

من رجفة أو خسفةٍ أو صاعقٍ بدويّه؟!

تُنسي النعيم كأنه ما قد مضى بسنيّه

والجيتاوي شاعر عاش قضايا أمته معايشة حية صادقة، فانفعل بها، وصوّرها فأحسن التعبير عنها.. ومن يتصفح ديوانه “صدى الصحراء” يدرك أنه شاعر حيّ الفؤاد، رقيق الإحساس، يحسن التعبير عما يختلج في صدره من آلام، فعندما وقعت نكبة فلسطين الأولى، وتم تشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين نرى شاعرنا الجيتاوي ينظم قصيدة بعنوان “زفرات لاجئ يتيم” يجري فيها على لسان طفل لاجئ يتيم، كلاماً يعبّر عن مدى الشقاء الذي يعانيه، والحرمان الذي يكابده، فيقول:

أيُّ درب فرشُهُ شوكٌ وآلامٌ كدربي؟!

أيُّ قلبٍ دفقهُ سِلٌّ وتبريحٌ كقلبي!؟

أيُّ داءٍ مثلُ دائي يتأبّى كلّ طب؟!

أين في الدنيا كتشريدي وحرماني وكربي؟!

واقرأ معي قصيدته “رسالة الدم المطلول” التي اشتملت على ما يقارب مئة البيت، وجاءت من أجود ما يصوغ شاعر قوة سبك وجزالة لفظ وحسن أداء، نظمها في شهر حزيران 1982م عندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان حتى بيروت، وضربت حصاراً حول بيروت ونكّلت بعشرات الألوف من المسلمين واستخدمت جميع أنواع الأسلحة الفتاكة دون أن يتحرك العرب والمسلمون لنجدة إخوانهم المحاصرين بأكثر من الاستنكارات.. يقول الجيتاوي في هذه القصيدة(7):

بئس  الذِّمام وبئس الأهل iiوالعصب
ويا  هوان الذي في الخطب iiعِزوته
إني  لأسألُ  في  شكّي  وفي  iiألمي
ناديتُكم    وفؤادي   حُرقةٌ   iiوأسى
حتى  الجلاميدُ  قد رقت لما iiسَمَعت
إن  كان  ذبحيَ  لا  يُذكي  iiأخوَّتكُم
ويقول     في    نفس    iiالقصيدة:
حلَّتْ   على   القلب   آلام  iiتمزّقه
تاه   القريظ  وهذا  الخطبُ  iiحيّره
لكنها   غصّة   في   الصدر  iiباقية
من كلّ طفل على النيران مضطجع
والأمُّ    نائحة    والشيخ   iiمُنكسرٌ
والجند  شاكية  في  الساح، وا iiأسفا
وعُدّةٌ   ألقِحَتْ   بالموت   iiمشرعة
وإخوةٌ   ما   عناهم   من  مصائبنا
نهارهم     في     بيانات    iiمُلفقةٍ

بئس  النفّار  وبئس الحشدُ iiوالجلَبُ
أنتم،  وضيعة  من  فيكم له iiالنسبُ
أكان   يربط   حقاً   بيننا  iiسببُ!؟
ناشدتُكم   كلّ   عِرقٍ   حقهُ  iiيَجبُ
والطير  والبُهمُ  والأشجار  iiتنتحب
فما   الأخوّة   إلا   الغشُّ  iiوالكذب

وضاقت  الروح  من  همّ  له iiذنب
فليس  يدري  المعاني  كيف تُكتتبُ
للروح    كاوية   نارٌ   لها   شُعَبُ
له  نشيش  له في القلب iiمُصطحبُ
والأخت  مسبيّة والعِرض iiمُغتصبُ
على  الأسود  غداة  الوثب تحتجبُ
لكنها    منزل    الأغماد   iiتنعطبُ
إلا  بمقدار  ما  احتجّوا وما iiشجبوا
وليلهم   مُترعُ   الأقداح   iiوالحبَبُ

ولما حاول اليهود اغتيال المجاهد خالد مشعل –رئيس المكتب السياسي لحركة حماس- أمام مكتبه في شارع الجاردنز بعمان.. وهاجمه عميلان من “الموساد” بجهاز يضخ السم في الجسم، ونفذا العملية وهربا.. ولحق بهما مرافقه الخاص المجاهد البطل محمد أبو سيف، وطاردهما وتمكّن من اللحاق بهما وتعارك معهما، وتمّ القبض عليهما.

نظم شاعرنا الجيتاوي قصيدة طويلة بعنوان “خيّال الجاردنز” تحدّث فيها عن عملية الموساد الدنيئة، ووصف بطولة محمد أبو سيفْ.. وقال فيها(8):

أنت رفيعُ القدر (أبو سيفْ)

وأنا شاعرُك الهيمانُ (أبو كيف)

أيقظتَ بلابل روحي بعد سنينْ

تأخذُ من عُرسكَ فرحاً للأجيالْ

أهزوجة عيدٍ للأطفالْ

عِطراً للسُّمار.. معراجاً للأقمارْ

ستظلُّ على شفةِ الوطن (عتاباً ومواويلْ)

يرفعُها (الكرملُ) و(المنطارُ) و(جرزيم)

نسيت البيت: ستظل مواسم فرح وقناديل

سيظلُّ اسمك شُرفة أمل

(لأبو غنيم) (وباب الوادْ)

سيظلُ ربيعاً.. يتجدد في روض الأمجاد

وستبقى، ما بقيَ الفلكُ.. كتاب وفاءْ

ويرى الجيتاوي أمته الإسلامية تعيش في هوان.. حماها مستباح، وأبناؤها كثيرون ولكنهم كغثاء السيل قلت مهابتهم في عيون جميع الأمم.. فجاء شعره فيه جمرات من الحرقة والألم على واقع أمته وعلى ما أصابها من كوارث وما ألمّ بها من نكبات.

ومن جمرات الحرقة والألم ما بثه الشاعر مناجياً ولده عبد الرحمن في قصيدة “مواجع وآمال” فيقول(9):

عبد   الرحمن  أيا  iiولدي
أشجاني  فاضت عن كيلي
مركبتي    يلطمها   iiموجٌ
والريح   تصدّ   iiمسيرتَها

أأبثُّكَ   شيئاً   من  iiكمدي
وهمومي أربتْ عن عُددي
مصطخبٌ    ليس   iiبمتئد
هوجاءُ    تزمجرُ   iiبالكبد

ثم يبوح بكل ما في قلبه من ألم وحسرة وقهر ولوعة على أبناء أمته الذين يُعدّون بالملايين، فيصفهم بقوله(10)”

في    العدّ   ملايين   iiلكن
أحزاب     تلعن    أحزاباً
البعض    يُشرِّق   iiمشيته
والباقي    هملٌ    iiتُسكنهم
مذ حادوا عن هدي iiالإسـ
في الغرب تُحال مصائرهم

في   القدر   هباءٌ  iiوالعُددِ
وطوائف   تحيا   في  iiلدد
والبعض  يُغرّبُ  في  حقد
صدقاتٌ   من  قمح  iiكندي
ـلام وهم في ذلّ مُضطردِ
والشرق  وَهُمْ  بين  الوُسُد

ومن قصائده التي تتضح فيها هذه المعاني قصيدته “نداء” التي يرى فيها أبناء الأمة سكارى وما هم بسكارى.. ما تكاد تمرُّ بهم نكبة حتى يتهيئوا لأخرى أفتك وأشد.. فيقول(11):

يا   أمتي  حتام  iiسكرى!؟
أو كلما حلت عليك مصيبة
أو   كلما  عاينت  iiمعضلة
أو    لعبة    من    iiمارق
أو    كلما    كُفْر   iiدَهاك
يا   أمتي   طال   iiالخبال

والنائبات  عليك  iiتترى!؟
راودت           iiأخرى!؟
طواك    التيه    حيرى!؟
سلمت   لا  تبدين  iiأمرا!؟
قبلته    وازددت   iiكفرا!؟
وأنت  بالتشمير  iiأحرى!؟

ويصور حال أمته وقد استكانت وطال بها الخبال، أصدق تصوير فيقول:

تمضي السنون ونحن iiفي
أحزاننا      لا     iiتنتهي
نمسي   وآمال   iiالمسيرة
فتعود     غصة     خيبة
كم   مارق   عبقت  على
صغنا  له  الألقاب  iiصـ
بالروح   فدَّيْناه   iiوالأمـ
فإذا   به   للكفر   iiقربانا

مر    المصائب   iiنرزح
ودموعنا     لا     iiتمسح
روضة             iiتتفتح
وندامة      إذ     iiنصبح
أردانه    ريح    iiالمباخر
ـوغ قلائد تسبي النواظر
ـوال  من  قلب iiوخاطِرْ
يُقدِّمُنا            صَواغِرْ

ولكن قوة الإيمان وعزة المؤمن عند شاعرنا تأبيان له القنوط، فلا بدَّ لليل أن ينجلي، وينبثق الفجر ويملأ ديارنا بالأنوار.. فأمتنا باق فيها الخير إلى يوم القيامة، وتباشير الصحوة الإسلامية بدأت تقرع الآذان.

يقول شاعرنا في قصيدة بعنوان: “البطل الشهيد(12)”

عادت     الآمال    عندي    ثرّة
سيثورُ   النقعُ   في  ساحي  iiغداً
فيُرى     يرجع    عزّ    iiسالفٌ
ويجيء   الرّكب   من  كلّ  iiالدُّنا

ورَبَت في خاطري من بعد غَيض
لخيول  النصر  في وثب وركض
ويُرى ينجو من التدنيس iiعرضي
طاعة   لله   في   نفل   iiوفرض

ويُذكر أبناء أمته المجيدة ببطولات أجدادهم الميامين، ويدعوهم إلى التمسك بتعاليم القرآن.. فيناديهم بكلمات كأنما قُدّت من الأكباد، وغُذّيت بدماء القلوب، فجاءت عواطف ثائرة، وأحاسيس ناطقة تغزو الآذان وتنفذ إلى القلوب.. فيقول(13):

يا أمّتي هلا من التاريخ موعظة مُنيرهْ

من بعد أعوام من التيه المُمزق للعشيرهْ

يُنبيكِ (خالدُ) و(المثنى) بالبطولات المثيرهْ

يُنبيك (طارق) كيف تُفتتح الديارُ ولا ذخيرهْ

يَحكي (صلاح الدين) كيف تُحرّر القدسُ الأسيرهْ

ويقصُّ (بيبرسٌ) عليك هزيمة الجند المغيرهْ

(والفاتح) المقدامُ كيف تُذللُ المدن العسيرهْ

وتشيرُ آلافُ السنين لحكمةِ الله الكبيرهْ

أن لا خلاص ننالهُ من هذه الحال المريرهْ

إلا إذا حكم الكتابُ و(أحمدٌ) قاد المسيرهْ

وترى في شعره ومضات مشعة من الأمل، وتطلعات إسلامية إلى مستقبل مشرق، وعودة إلى الله تأخذ بالأيادي المتوضنة إلى سواء السبيل، ومن ومضات الأمل المشعة قوله(14):

لئن  طال  ليلي ستشرق شمسي
وتصفو  حياتي  على نهج iiربي
ويشتدُّ  عودي  وأحمي iiحُدودي
وفي   كل   مضمار  فنّ  وعلم
وفي  كل  سهل  وفي  كل  iiتلٍّ

وتجلو  همومي  وتمسح  بؤسي
وتغدو   صفاتي  مناط  iiالتأسّي
ويخشى  الأعادي نزالي iiوبأسي
سيشدو  يراعي ويسطعُ iiطرسي
سيُمرغ زرعي ويخضلُّ غرسي

 وللجيتاوي شعر اجتماعي جيد النظم، منتقى الألفاظ، جلي المعاني، إسلامي الموضوع، موفق الأداء لفظاً ومضموناً.. له أثر في النفس أيّ أثر.. استمع إليه في قصيدته الرائعة “الجلباب” التي نظمها بمناسبة انتشار الزي الإسلامي المبارك بين المسلمات، فيرى فيه لباساً للطهر والفضيلة، ويحث البنات على التمسك به وعدم خلعه.. ويصف هذا اللباس الشرعي فيقول(15):

حيّاك  المولى  من  iiمنظرْ
يا  حصناً  يحرس  iiمؤمنة
يعلوك     جلالٌ    iiووقارٌ
فيغضُّ الطرفَ على رغبٍ

يا  ذاك  الجلباب iiالأخضرْ
من  عين  الريبة  iiوالمُنكر
يغشى  الإنسان  إذا iiأبصرْ
أن  ينظرَ  في حُسنكَ أكثرْ

 ويتحدث في نفس القصيدة عن الفتاة المسلمة التي تعتز بإسلامها وتحسن تربية أبنائها، وتفخر بهذا اللباس، فيقول:

أنا بنت من صُنع iiالقرآن
خطواتي يحرسها iiالإسلام
من مصنع (أحمد) جلبابي
من  وشي  الجنّة iiمنسوجٌ
التقوى    لابنة   iiعمران

يُسدّدني   خوف  المَحشرْ
فما    تكبو    أو   تتعثر
أفما  يجدُرُ بي أن iiأفخرْ؟
وبريح  الفردوس  iiمُعطّرْ
والسّيما  من بنت iiالأزورْ

 وله شعر في الوجدانيات يُنبئ عن قلب كبير نابض بالحب والمودة والصفاء.. شعر يسكبه شذا عطراً ويرسله أغاريد عذبة حين يتحدث عن بناته مثلاً.. فنراه يخاطب ابنته “ميسون” بقوله (16):

ميسونُ   تيهي   في   ثيابك  وانعمي
إني   وهبتُك   مُهجتي  من  قبل  iiأن
أنا   إن   نظرتُ   إليكِ  ساعة  iiشدّة
وإذا   سمعتك   تُنشدين   حسبتُ  أنّ
إن  ترتدي  (المريول)  أدعو  الله أن
وإذا   (الإشارُ)   علا   جبينكِ  iiخلتُهُ

تغذوك  من  قلبي  الحشاشة  iiفاسلمي
أهَبَ   الثياب   فسيطري   iiوتحكّمي
تنأى   الشدائد   إن   لمحتك  iiتبسمي
الكون      جمعاً      آخذٌ      iiبترنّم
يحميك   من   عين  الحسود  المجرم
قد صيغَ من روحي وزُركِشَ من دمي

 والجيتاوي أب تراوده آمال عذبة، فهو يطمح للأبناء أن يحققوا ما عجز عنه الآباء. وهو يريد لولده أن يكون ولداً صالحاً عالماً بالقرآن، وأن يرفع راية التوحيد لإعلاء كلمة الحق، فيقول (17):

عبد      الرحمن      أيا      ولدي
أأنال       من       الدنيا      iiأرباً
أتكون         عليماً         iiبالقرآن
وحديث        (محمد)       تُخرجهُ
وتحثُّ    الناس    على    iiالإحسان
شيخُ         الإسلام         iiوعالمُهُ
وأموت     وتحملُ     لي    iiنعشي
وتنافح      عني      تدعو      iiلي
وأقول     لدى     العرض    iiلربي
ثم يدعو للأبناء بهذا الدعاء الصادق:
بارك      يا      رب     iiمساعيهم
عن    شرّ    الخلق   وعن   iiغَسَقٍ
وأعذهم      يا     رب     iiوصنهمْ

يا     أملاً     يكمنُ    في    خلدي
وأراك      تدرّجُ     في     iiصُعد؟
تدلُّ      الناس     على     iiالسّدَد؟
وتُمدُّ           الفقه          iiبمستندِ
وهجر         المنكر         iiوالفَنَدِ
ومنارُ      الحكمة      في     iiالبلدِ
وتؤمُّ     الجمعَ     على     iiجسدي
بالرحمة        والعفو        iiالأبدي
ها     قد     قدّمتُ     ليوم     iiغد

واحفظهم       وانصرهم       iiوَذُدِ
وعن      النفّاثةِ      في      iiالعُقدِ
من      شرّ     الحاسدِ     iiوالحَسَدِ

 ومن شعره الرائع قصيدته “مع الطبيب” التي أبدع فيها في التعبير عن خلجات نفسه.. وهو يرى طفله في حالة مرض شديد قلا يقرّ له قرار، ولا تهدأ له نفس، ويودّ لو استطاع إمداده بدم الفؤاد.. فهو يحمل طفله إلى الطبيب ويقول(18):

أتيتكَ  يا طبيب بصنو روحي
أتيتُك  باديَ  الحسراتِ  تُغني
عليل  النفس  مسلوب iiالتأسّي
كأني  في  ذهول  اللبّ  عني

فضمّد   إذ   تُداويه  iiجُروحي
مشاهدتي وحالي عن iiشروحي
وشيكَ اليأس مُنحسر iiالطموح
نَهلتُ من المدامة في صَبوحي

وللجيتاوي شعر في مجالات أخرى من الشعر غير التي ذكرناها.. له في الرثاء شعر فيه عاطفة صادقة.. كقصيدته “في وداع المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي” التي يقول فيها(19):

أدّى     أمانة     دينه    iiبجهاده
ومضى على النهج الرشيد صلابة

وبصبره  في  كل  خطب  iiمُفجع
وتُقى  ومن  نوع  الثبات  الأرفع

وله في المناسبات الإسلامية.. كقصيدته “في ذكرى مولد الرسول” التي يقول فيها(20):

سيدي:     قد     صدقتنا    iiالقول
كل     ما    خفته    تحقق    iiفينا
زارنا     الجهل    واستراح    iiبنا
وارتضيناه   آمراً   فأرانا   iiالعرف
وعمهنا   فما   نميز   من  المشرق
فغدونا        نستنبت       iiالشوك
وهدمنا       حصوننا      ونضونا
فاستبانت      عوراتنا      iiورمانا
وفقدنا    (الأقصى)    وهانت   بنا
وتركنا  الفقيد  في  (مجلس  الأمن)
وأضعنا     ثمالة     من     عقول
(من   يهن   يسهل  الهوان  iiعليه)

والنصح وأنت الصّدوق ما من جدل
خطوة     خطوة    وحالاً    iiلحال
ديناً    على    فرط   قتنة   iiودلال
نكراً     والزيغ    صنو    iiالكمال
غرباً    أو    يمنة    من    iiشمال
والحنظل  في  حقلنا  مكان iiالدوالي
درعنا     بين     غفلة    iiواحتيال
كل    ذي    مطمع   قديم   iiالنبال
الأوطان  في  موجة  من  iiالترحال
رهين       النسيان       والإهمال
وفقدنا       الإحساس      iiبالإذلالِ
ما    لجرح    بميت    من   iiنكال

وله في الوصف.. كقصيدته “ذكرى معركة الكرامة” التي يصف فيه ثبات المجاهدين وأثر المعركة على المسلمين في ميدان القتال، والتي يقول فيها(21):

يوم   الكرامة  يومٌ  كان  مطلعُهُ
عُقبى ليال مضت باليأس مترعة

قدومَ  سعدٍ على الإسلام iiوالعرب
أعاد  آمالنا  والشمسُ  لم  iiتغب

ولشاعرنا قصائد من الشعر الحديث (الحر) ومع ما لنا من ملاحظات على الشعر الحديث لا نرضاه بسببها بديلاً للشعر الأصيل إلا أن قصائد الجيتاوي جاءت دفقة شعرية معبّرة لما يعتمل في النفس من عاطفة ووجدان.. يقول الشاعر في قصيدة عن الأقصى(22):

يا مسجدي.. إن يحرقوك ويهدموكْ

يا مسجدي.. إن يخذلوك ويُرخصوكْ

فلقد أقمتُك في فؤادي

وصهرتُ غضبتَك الرهيبة في مدادي

وسفحتُ فيك مدامعي

وجعلت تُربكَ من رمادي

من مقلتي.. من أعظمي

ونقعت غُلتك الأبية من دمي

وشببت نارك في النجوم وفي الذرا

لأنير درب السائرين

وشدوت باسمك في الصباح وفي المسا

لأثير وجد العاشقين

وقرعتُ طبل الهول من ألم النوى

فلعلني أنهي سُبات النائمين

ويقول في قصيدة بعنوان “دعاء”(23):

سل عن مصائب أمتي تلك القِلاع

أصل المآسي والضّياع

ويتساءل فيها عن قلاع الإسلام الشامخة التي تدل على عز مضى، وسؤدد ضاع، وكرامة دُفنت.. يزورها الناس وهم لاهون، لا تنبعث في قلوبهم حسرة، ولا تتحرك في نفوسهم نخوة، فيصف هؤلاء الناس الذين تبلد إحساسهم بقوله:

شكلُ العيون ولا عيون

صُمٌّ وبكمٌّ تائهون مُخدّرون

أولى بنا أن لا نكون

من أمة الأنعام تحسبُنا خُلِقنا للحلائب والركوب

وإذا تململنا سُحقنا

صرنا ثماثيلاً وأشباحاً تدبّ على الدروب

ويتحسر على الشباب الذين تتلمذوا على الغرب وأخذوا من الحضارة كل ساقط وهزيل، وانصرفوا عن الخير.

وصنائع الغرب الحقود كأنهم زُمَرُ القرود

حسبوا الحضارة في مُحاكاة البرودْ

تركوا الأصالة والفضيلة

وتنكبوا درب الهُدى

واستحسنوا عيش الرذيلة

وفي آخر القصيدة يعيب الشاعر على الطبيعيين الذين تتلمذوا على موائد الإلحاد وقالوا إن الطبيعة هي التي خلقت الإنسان.. فهم بعلمهم هذا لم يبلغوا علم الأعرابي القائل: البعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير.. فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج.. أفلا تدلّ على اللطيف الخبير… يقول الجيتاوي(24):

وبني الطبيعة، ويحهمْ!

أيشكُّ في الله العظيم سوى الذي فقد الحجا؟

وغدا من الأحياء مَسخاً شأنها لا يُرتجى؟

أهي العمالة والمكابرة العميّة؟.

أهي الخيانة والمروق؟

أهي انتكاسُ العقل والفطر السويّة؟

الشهب في عليائها

والطير في أجوائها

والبهم في بيدائها

والهائمات على هواها

والشمس في إشراقها

والليل لما أن تلاها

كلّ يُسبّح للإله بحمده

كلّ يُميّز غيّهُ من رشده

إلا الطبيعي السّفيه

آثاره الأدبية:

1 – صدى الصحراء – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 1983م.

2 – قناديل على مآذن القدس – ديوان شعر (دار الفرقان: عمان) 2001م.

3 – قول متدارك على البحر المتدارك – بحث عروضي.

4 – له ديوان شعر مخطوط للأطفال بعنوان “روضة البلابل” وكتاب عن الشعر الحر.

مصادر الدراسة:

1 – ديوان “صدى الصحراء” عمان 1983م.

2 – ديوان “قناديل على مآذن القدس” عمان 2001م.

3 – المِدرّة (رحلة أدبية نقدية) بقلم الدكتور زكي الشيخ حسين كتانة.

4 – رسالة شخصية وقصائد مخطوطة موجهة للمؤلفين.

5 – قصائد منشورة في الصحف والمجلات.

مختارات من شعره:

(1) أشجان الإسلام: هذه القصيدة نظمها الجيتاوي عام 1402هـ/1982م.. وهو يرثي فيها دولة الإسلام، ويتألم لما يجد من جهل وفقر ومرض، وتمزيق وذل وتخلف.. ويرى تآلب أمم الإلحاد والصليبية والصهيونية على المسلمين، وتعرّض ديار الإسلام إلى هجمة شرسة في كل ناحية من نواحيها.. ومما يُحزن شاعرنا ويزيد من ألمه، ما آلت إليه أوضاع أمته، وما طرأ على حياة أبناء مجتمعه، من عادات مرذولة، وأخلاق هابطة، تتنافى مع تعاليم الإسلام، كانتشار الظلم وانعدام الخير، وتقطيع الأرحام، وشيوع المنكرات، حتى غدت الكثيرات من النساء سافرات في كل ميدان، تغري بالغواية، وتدفع إلى المعصية، بعد أن استبدّت الغرائز بالنفوس، وتحكمت الأهواء في الأجسام والعقول..

ونرى الجيتاوي يتساءل بألم ومرارة عن مدى مسيرنا في ليل التيه، وصحراء الذل والهوان، حاثاً أمته وأبناء قومه على العودة إلى منهج الإسلام ففيه عز الدنيا وسعادة الآخرة.

إن هذه القصيدة لتعبّر عن بعض ما يجيش في نفس شاعرنا، وفي نفس كل مسلم غيور، من مشاعر إزاء هذا الواقع المؤلم.

وقد تأثر الجيتاوي فيها بقصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس، والتي يقول فيها:

لكلّ  شيء  إذا  ما  تم  iiنقصان
هي  الأمور  كما  شاهدتها iiدُولٌ
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف
على  ديار  من  الإسلام  iiخالية

فلا  يُغرَّ  بطيب  العيش  إنسان
من   سرّه  زمن  ساءته  أزمان
كما  بكى  لفراق  الإلف iiهيمان
قد  أقفرت  ولها  بالكفر iiعمران

فالرنّدي يرثي الأندلس، والجيتاوي يرثي دولة الإسلام وعزّة المسلمين، في فلسطين والفلبين وكشمير والشيشان وأفغانستان وغيرها من ديار الإسلام التي تسلط عليها الأعداء.

أشجان الإسلام(25):

لا    تسأل   العين   فيم   الدمعُ   iiهتانُ
انظرْ   إلى   دولة  الإسلام  قد  iiطُمستْ
أنصتْ   فكم   أنّة   (للقدس)  ليس  iiلها
دهر طوى الأرض فيه النحسُ iiوانتكستْ
(عيسى وموسى) طوى التحريفُ دَعوتهم
(وأحمدٌ)   في   ثنايا   الشِعبِ   حاصرهُ
الحكمُ     جورٌ    وحرّ    القوم    غَيّبهُ
والبغيُ   والظلمُ   لا   عابٌ   ولا  iiزللٌ
البرُّ      أقفر      والأرحامُ     iiضائعةٌ
وأيمنُ  الفال  بينَ  الخلقِ  ii(باقلهم)(26)
والموبقاتُ         دساتيرٌ        iiمُحكمة
ترى      النساء     تماثيلاً     مُزخرفة
رؤوس   جهلٍ   دواعي  الطيش  تدفعُها
هي    الغرائزُ    بين   الناس   تحكمهمْ
ما    عادَ    يبدو    بتقويم    الإله   iiلهُ
*                  *                 ii*
يا     أمتي     طال    تغريبٌ    نكايدُه
النفسُ      تُطربها      أرقامُ      عِدتنا
أعداؤنا    قد    رَمونا    بالشتاتِ   iiوما
قد   رَسّخوه   بدعوى   الكفر   iiيَسترها
وقدموها     لنا     عن     ديننا    iiبَدَلاً
وأمعنوا   يخدعونَ   العقل  إذ  iiزعموا:
(ولا    مناصَ    لنا   في   رد   iiعِزّتنا
كفرٌ      قبلناهُ     فانحلتْ     iiأواصرنا
وكلُّ    رهطٍ    لهم    شِربٌ    iiوساقيةٌ
والكلُّ    يضربُ    عشواءً   ولا   iiأملٌ
من    (الفلبين)   تكوي   القلب   iiنائحةٌ
في   كل   يوم  بأرض  (الهند)  مجزرةٌ
حدّث     ولا     حرجٌ    مما    iiتحدّثه
وذَبْح      (أسمَرَةٍ)      لهوٌ     iiيُمارسهُ
وفي     (فلسطينَ)    أهوالٌ    iiوملحمة
(والقدسُ)     ترسلُ     أنّاتٍ    iiمقطعة
“قوم    إذا   الشر   أبدى   ناجذيه   لهم
في   كل  شبرٍ  بأرض  المسلمينَ  iiترى
وحالهم       مثلُ       أيتام      iiبمأدبةٍ
الجهلُ     يُقعدهم،     والفقر    يسحقهم
وأرضهم   خيرُ  أرضٍ  لو  هُمُ  زرعوا
وفي    يديهم    شرايينٌ    إذا   iiقُطعت
وحولهم    أبحرٌ    لو    أنها   iiضُبطتْ
لكنهم      وهنوا      فالكلُّ      ينهشهم
*                  *                 ii*
يا    أمتي    هل    لهذا   الليل   iiآخرةٌ
عودي   إلى  الله  عوداً  مخلصاً  ودَعي
ومَحّصي   الدرس  من  تاريخنا  iiتَجدي

طغت    على    القلب   آلامٌ   iiوأحزانُ
أركانها     وانبرتْ     للكفر     iiأركانُ
خلال      قهقهة      الأعداءِ      تبيانُ
راياته      وبريدُ      الغيبِ     غربانُ
وحلَّ      عنها      خُرافاتٌ     وبُهتانُ
من   كل   رَهطٍ   من   الكفار   iiسَجّانُ
سجنٌ   به   من   صنوف  القهر  iiألوانُ
هي     البطولةُ     والتاريخُ     iiيزدانُ
يشكو     إلى     الله    آباءٌ    iiوإخوانُ
وذو الشقاء ووجه النحس ii(سَحبان)(27)
في  الشرق  والغرب  مرفوعٌ  لها  iiشانُ
رؤوسها     للهوى     واللهو     iiميدانُ
إلى     المهالكِ،     والتغريرُ    iiسلطانُ
كأنهم      وقطيع      البُهم     iiصِنوانُ
في   مُحكم   الخلق   إلا   النزرَ  إنسانُ
*                  *                 ii*
خلفَ    السَرابِ    لم    يبتلّ    iiظمآنُ
لكننا    بين    أهل    الأرض   iiعُبدانُ
أدراكِ    ما   دبّروا   فينا   وما   زانوا
لبوسُ      عرقيةٍ،     والكفر     iiألوانُ
فالدين    لله،    لا    للناس    iiعنوانُ!!
(أن    التخلف    قد   أرساهُ   iiقرآنُ)!!
أن   نخلع  الدين،  ما  للعصر  أديانُ!!)
فكل      قطر     له     فلكٌ     iiوربّانُ
وكل    جمع    لهم    وسمٌ   iiوقطعان!!
كتائهٍ       أفقهُ       بيدٌ      iiوكُثبانُ!!
تُجيبها     بعويل     النكل     (تُطوانُ)
لأخوةٍ    لرضا    الأبقار    ما    iiدانوا
في   وصف   أهوال  ما  يلقاه  ii(أفغانُ)
من     (الأحابيش)     بتار     iiوطَعّان
يُزجي   لها  الأهلَ  (شارونٌ)  iiو_ديّانُ)
تمضي  هباءً،  فما  في  القوم  من كانوا
طاروا    إليه”    وهم   جمعٌ   iiووحدانُ
مجازراً    ما    لها    قاضٍ    iiوميزانُ
يكسو     وجوههم     بؤسٌ    iiوحرمانُ
والداءُ      يقتلهم،      والردّ     iiإذعانُ
واستثمروا    ما    تُخبّيه    لما   iiهانوا
يُدمّرُ     الأرضَ     زلزالٌ     iiوبركانُ
سادوا  على  الناس  واستعلى  لهم  iiشانُ
وهمْ    على    نفسهم   للخصم   أعوانُ
*                  *                 ii*
وهل    لهذا    الأسى    والذلّ   iiفرقانُ
مواردَ    الكفر،    إنّ   الكفرَ   iiخُسرانُ
(العزّ    ما    كان    إلا   كان   إيمانُ)

مختارات من شعره(27) الغضبة القدسية: كانت القدس وما زالت تحتلّ مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، فهي بلد الإسراء والمعراج، وفيها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين..

وقد ارتبط المسجد الأقصى بعقيدة المسلم حينما ربطه القرآن الكريم بمكة المكرمة في سورة الإسراء، وغدت حمايته والدفاع عنه، وتحريره من أيدي الغاصبين واجباً على كل مسلم ومسلمة..

وفي عام 1387هـ/1967م قام اليهود باحتلال مدينة القدس، واحتلال جميع فلسطين.. ووقع المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم، وقاموا بالاعتداء عليه مرات ومرات، وحرقوا منبر صلاح الدين، والعرب والمسلمون ينظرون إليهم في ذل واستكانة ولا يتحركون..

ولما رأى شاعرنا الجيتاوي هذا الحال، ولاحظ أن مشاعر اليأس قد استبدّت بالناس.. انبرى يشجع أبناء أمته ويدعوهم إلى خلع أردية الغفلة، وأثواب اليأس والقعود، ويدعوهم إلى مجابهة الباطل ومقارعة العدوان، وتحرير القدس الشريف.

فجاءت هذه القصيدة عام 1401هـ/1981م نابعة من أعماق نفس معذّبة، وفؤاد مكلوم، بذكر القدس وفلسطين في كل نبضة من نبضاته وكل خلجة من خلجاته، وهو يتطلع إلى أرض مباركة وشعب مؤمن وغد مشرق.

الغضبة القدسية(28):

دع   عنك   خادعة   iiالأماني
تمضي  السِنون  تلي  iiالسنينَ
تُصغي     لأخبار     iiالطعان
هذا      سبيلُ      iiالعاجزينَ
ومحطُ     آمالِ     iiالضعيف
النصر     والتثبيتُ    iiتطلبُ
بالهام      والمُهج     الغوالي
بالنار              iiبالإعصار
*            *            ii*
عقدٌ       ونصفُ       iiالعقدِ
المشرقان       تنوحُ      iiمن
القومُ         قد        iiخذلوه

وانهضْ   فما   هذا   iiالتواني
وأنتَ     معقولُ     iiالحِصانِ
تظنّ    ذاك    من    iiالطّعان
ومذهبُ      الغيدِ     الحِسان
وخطةُ      النذل      iiالجبان
في       لهيب      iiالمعمعانِ
والسواعد            iiوالقواني
بالزلزال    تتضح    iiالمعاني
*            *            ii*
والأقصى يئنّ من الهوان(29)
مأساته             iiوالمغربان
ما   وفّى  الصريخ  iiونجدتان

طاشت   حُلومهمُ   وما  ثبتوا  على  قرع  iiالشُّنان
وتبعثر    الزحفان   وانكشفت   غيابات   iiالدّخان
أبخس   به   ثمناً  لفخر  عصورنا:  إعذارُ  iiجان
قد   كان   أولى  أن  نبيد  فِدىً  ولا  يعنو  iiلشانِ
إيهٍ  صلاح  الدين:  هل من منبر للعزّ ثان؟!(30)
القومُ  صاروا  مثلَ  أهلِ  الكهفِ  في فيهِ الزّمان!
تقلّبُ    الأجسادُ   لكن   أين   يقظانُ   iiالجَنان؟!
يا   ويحهم   أيظلُّ   مسجدهم   بمحنته   iiيعاني؟!
ويكون   غايةُ   ردّهم   أنشودة   في   iiمهرجان؟!
ومذلة  الشكوى  لمجلس  ما يُسمى iiبالأمان(31)؟!
تمحو  سخائمهم(32)  فتصفو  جلسة  أو iiجلستان!
شجباً،   فينقلبون   ما   بين   المرابع  iiوالمغاني!
يتفاخرون    ويمرحون    كأنهم   نالوا   iiالتهاني!
(ويعيّدون)   ويرسلون   لبعضهم   حلوَ  iiالتهاني!
إن  يغضَبوا  يا  حُسنهم  أقصى  مَداهُم  iiساعتان!
هانوا  فهم  (تيمُ)  المحافلِ في الغيابِ وفي iiالعيان!
يا ليتهم كانوا (تميماً)(33) في الطراد وفي iiالحِران
يا  ليتهم  (مُضرٌ)(34)  بغضبتهم ترددت iiالأغاني
أهل    السماحة    والبشاشة    والتحلّم   iiوالليان!
سُحقاً    لكلّ    سماحة    الدنيا   وأنعم   iiبالسّنان
*                      *                      ii*
قم يا أخا الإسلام جرّد مشرفيّك(35) واليماني(36)
ودَع    الملاهي   هَمَّ   خِلان   الآرائكِ   iiوالدّنان
والمترفينَ   المتخمينَ   يُزاحمون   على   iiالجِفان
ما    عاد   يُقبلُ   أن   تُجالدَ   باللسانِ   وبالبنان
صِرنا   عبيداً   لا  عباداً  في  شريعةِ  كلّ  iiجان
أسرى  نعيشُ  كأننا  من  أمة  أخرى  عوان(37)
وحقوقنا  ضاعت  على  عبثِ  المجالس  iiواللجان
قم   يا  أخا  الإسلام  ليس  سواكَ  يُندبُ  iiللطّعانِ
العزُّ   معقودٌ   على   الهام   الذي   يتلو  iiالمثاني
والمجدُ   أنت   له   وفي  يُمناك  تحقيق  iiالأماني
لله  درّك  يا  فتى  يا  فارسَ  الحرب العوان(38)
قم  تاجر المولى ببيع (الصف)(39) من آي iiالبيان
لا  ترتضي غير النجيع(40) مُهورها حورُ الجنان
يا   (قدسُ)  صبراً  للزمان  فإن  نصرَ  الله  iiدان
إني  لألمحُ  فارسَ  الغمراتِ(41)  يُمسك  iiبالعِنان
في   صدره   القرآن   في  يُمناهُ  سيفٌ  هِندواني
آتٍ   يكادُ   يطيرُ   ينتهب   المفارزَ   في  iiثوانِ
تحدو   له   (الأنفالُ)   و(الإسراء)  نعمَ  iiالحاديان
*                      *                      ii*
يا  قدسُ  أنتِ  الروحُ  أنتِ  القلبُ  أنت  المُقلتان
أنت   الهوى،   أنتِ   الحياة  بعزّها  iiبالصولجان
أرواحنا    تفديكِ    خالصة   وما   ملكت   iiيدان
تبقين    في    أيامنا    شمساً    تراءى   iiبافتتان
تبقى   مآذنك   النجوم   الزّهرُ   تصدحُ   iiبالأذان
ويظلُّ   محرابُ   النبيّ   مًكرماً   في   كل   iiآن

مختارات من شعره:

(43) وللعامل وسام: لقد كرّم الإسلام العامل، ورفع من شأنه، وعلّمه الأمانة والإخلاص وإتقان العمل.. يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ويقول: “من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له”.

ولكن هذا العامل الذي يبني بعمله المجتمع، وتقوم على نشاطه نهضة الأمة، ويسعد بإنتاجه الناس.. أغفله المجتمع في هذه الأيام.. وكانت لفتة طيبة من شاعرنا الجيتاوي بأن ينظم قصيدة جميلة رائعة عام 1985م يمجد فيه العامل، ويعلي من شأنه، ويشركه في بناء الوطن، ويصف ألواناً كثيرة من نشاطه المتعدد الذي يبدؤه كل يوم باسم الله، وفي طاعة الله ومراقبته، بعد أن يصلي الفجر ويقرأ القرآن، وينطلق إلى عمله بهمة ونشاط وإيمان..

هذه القصيدة التي استهلها الجيتاوي بقوله:

رُشوا الطريق ندىً وزهرا
عقدَ      الرّشادُ     ليومه

لفتى   يغذَّ   السيرَ  iiفجرا
مع    ربه    آياً   iiوذِكرا

إنّ فيها من التكريم والتمجيد للعمل والعمال بما يدفعهم إلى الرضا عن أنفسهم، والاعتزاز بعلمهم، والثبات على الإيمان.

وللعامل وسام(44):

رشّوا  الطريقَ ندىً iiوزهرا
عقد      الرّشادُ      iiليومه
ومضى على درب iiالرّضى
في  صدره  تتماوج  الآمال
والأرض   تهتف   iiللخطى
أنعم     به     من    iiفاتح
*           *           ii*
يا  فارس  العصر  iiالمجلّى
هي   قصة   الحب  iiالكبير
فوق  الجبال  على iiالسهول
وعلى    المدائن    والقرى
في   كل  شبر  من  iiربوع
بيد     الرجولة     iiصغتها
حتى     بدت     iiكعرائس
تعنو     لفتنتها     iiالقلوب
*           *           ii*
قم  وارق عرش الجدّ iiوترا
إني    لأقرأ   في   عيونك
وعلى      جبينك      iiآية
هذا   قصيدي   في  ركابك
من  نور  وجهك  قد iiأضاء
إني     لأقسم     والمزاعم
“قبل   الجميع   لك  iiالوسام
*           *           ii*
يا   معبر   الأمل   iiالقصي
يجتاحني    بوح   iiالجراح
همّي     وهمّك    iiوالهوى
ذاك   الحبيب   إلى   iiمتى
تلك    الربوع    iiالمستغيثة
أفما       شجاك      أنينها
أتقرّ    والأرحام   iiمضرمة
أفما     لها     يوم    iiأغرّ
قسماته               iiنبويّة
ألقت      عليك     iiظلالها

لفتى    يغذُّ   السير   فجرا
مع     ربه    آياً    وذِكرا
تدعو له (بشرى) iiو(يسرى)
والأشواق            iiتترى
الشمّاء    ترحيباً    iiوفخرا
قهرَ  الصعاب  وعاش iiحرا
*           *           ii*
دمت     للأوطانِ    iiذخرا
تصوغها   سطراً   iiفسطرا
حروفها     تهتز    iiخضرا
تختال     معماراً     iiأغرّا
بلادنا   لك   حسن  iiذكرى
وجلوتها      فناً     iiوفكرا
الأحلام    ألواناً    iiوعطرا
فتنحني    وتقول:    iiشكرا
*           *           ii*
واسْب النفوس هوى وشعرا
سورة    الإخلاص   iiجهرا
القديس     إيماناً    iiوطهرا
يزدهي     ألقاً     iiوسحرا
ومن   زنودك   جاء   تبرا
جمّة      والحق     iiيُدرى
وأنت    بالقبلات   iiأحرى”
*           *           ii*
وقد    ذوى   كمداً   iiوقهرا
وأستمحيك     فيه    iiعُذرا
بيني   وبينك   ليس   iiسرا
يمتدّ   في   الخفقات  جمرا
والصدى     يرتدّ    iiذعرا
أفما    توقد    فيك    iiثأرا
الحشا      نزفاً      iiوأسرا
يغيّر      الحال     iiالأمرّا
عمرية    صدقاً    iiوصبرا
فارغ  الظلال جزيت iiخيرا

       

الهوامش

(1) ديوان “صدى الصحراء” ص 21. 

(2) ديوان “صدى الصحراء” ص 109

(3) ديوان “صدى الصحراء” ص 105

(4) مجلة الأمة –العدد الثلاثون عام 1403هـ، ص 27.

(5) صدى الصحراء ص 81.

(6) صدى الصحراء ص 115.

 (7) صدى الصحراء ص 63.

(8) ديوان “قناديل على مآذن القدس” ص 65.

(9) صدى الصحراء ص118.

(10) صدى الصحراء ص120.      (11) صدى الصحراء ص112.

(12) صدى الصحراء ص112       (13) صدى الصحراء ص113

(14) صدى الصحراء ص51.        (15) صدى الصحراء ص148

(16) صدى الصحراء ص178        (17) صدى الصحراء ص122

(18) صدى الصحراء ص176        (19) صدى الصحراء ص127

(20) جريدة الرأي الأردنية في 23/13/1983م.

(21) صدى الصحراء ص102

(22) صدى الصحراء ص30

(23) صدى الصحراء ص192

(24) صدى الصحراء ص195

(25) صدى الصحراء ص88

(26) إشارة إلى (باقل) وهو رجل يضرب به المثل في العي من ربيعة.

(27) رجل يضرب به المثل في الفصاحة من وائل.      (28) صدى الصحراء ص25.

(29) وقع المسجد الأقصى في أيدي اليهود سنة 1967م 1387هـ.

(30) عندما زحف صلاح الدين بجيوشه لاسترداد الأقصى من الصليبيين كان قد صنع منبراً في حلب وأخذ يحمله معه في تنقلاته إلى أن دخل القدس وركب المنبر في المسجد الأقصى وأوفى بنذره وقد أحرقه اليهود في حادث اعتداء واضح سنة 1969م.

(31) أي مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.

 (32) سخائمهم: المقصود غضبهم.

(33) إشارة لقول جرير:

 ويُقضى الأمر حين تغيب تيم          ولا يستأمرون وهم شهود

(34) إشارة لقول جرير:

 إذا غضبت عليك بنو تميم            حسبت الناس كلهم غضبانا

(35) إشارة لقول بشار بن برد:

غضبنا عليهم غضبة مضرية         هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

(36) من أنواع السيوف.

(37) من أنواع السيوف.

(38) عوان: أسيرات.

(39) العوان: الشديدة المستمرة.

(40) إشارة للآيات الأخيرة من سورة الصف.

(41) النجيع: الدم.

(42) الغمرات: الشدائد.

(43) ديوان “قناديل على مآذن القدس” ص19 – 21، والدستور الأردنية – أيار 1985م.