المهندس صالح الجيتاوي شاعر من روّاد الشعر الإسلامي المعاصر . وأديب إسلامي .. بل هو مثال للأديب الإسلامي فكراً ، وشعراً ، وسلوكاً ، والتزاماً ..
إنه شاعر صادق العاطفة ، متّقد المشاعر في كل ما ينظم ويكتب ويعمل .. وإنّ ما نلمسه في الجيتاوي من إيمان صادق متين ، وعقيدة عميقة نيّرة ، وفهم صحيح لهذه العقيدة ، وواقع سلوكي وعملي منبثق عن الواقع النظري .. إنما يدل على معدن نفيس ، وعقيدة صافية ، وخلق رفيع .
حياته ونشاطه
ولد الشاعر صالح عبد الله الجيتاوي عام 1943م ، في قرية جيت على بعد اثني عشر كيلومتراً إلى الغرب من مدينة نابلس بفلسطين .. وفي تلك القرية الوادعة الجميلة نشأ الشاعر في أسرة فلسطينية متديّنة ، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية ، وواصلها ودرس المرحلة الإعدادية في مدارس القرى المجاورة ، وأتم دراسته الثانوية في مدارس مدينة نابلس – الجاحظ والصلاحية وكلية النجاح – ونال الشهادة الثانوية العامة عام 1961م . وغادر فلسطين بعدها إلى مصر والتحق بكلية الهندسة في جامعة القاهرة ، ونال شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1966م . وعمل بوزارة الأشغال العامة في الأردن .. وعندما وقعت البقية الباقية من فلسطين عام 1967م بيد يهود غادر الجيتاوي إلى السعودية ومكث فيها أربعة عشر عاماً عمل خلالها في و زارة المواصلات وشركات القطاع الخاص . ثم عاد إلى الأردن عام 1981م وقام بإنشاء مكتب هندسي خاص في عمان مارس من خلاله أعمال إنشاءات المباني ، ومازال يعمل فيه حتى اليوم ..
ولئن كان عمل الجيتاوي يرتبط بإقامة المباني من القواعد والارتفاع بها في أشكال منتظمة تسرّ الناظرين ، وتدفع ساكنيها إلى التمتع بما يحيط بها من مناظر خلابة وجو ساحر لطيف .. فإن له مع هذا العمل نشاط آخر ، يقوم على البناء الفكري ، حيث ينظم لأبناء أمته قصائد وأبيات من الشعر يُطلّون من خلالها على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا الزمان ، ويجدون في هذه الأشعار ما يرتفع بالأخلاق ويبني القيم ويعالج النفوس .. وهذا شأن المسلم الملتزم بإسلامه ، الذي لا تُقعده عمارة الأرض والبنيان عن عمارة مكوّنات الإنسان .
ولهذا فإن للجيتاوي نشاط أدبي في المجتمع الذي يعيش فيه .. شارك من خلاله في عدد من الندوات الشعرية التي تُقام في المدن الأردنية وخاصة في رابطة الأدب الإسلامي بعمّان . كما نشر مجموعة من قصائده الشعرية في عدد من الصحف والمجلات ، ومازال يواصل نشر إنتاجه الجديد .
شعره
الجيتاوي شاعر آمن بالإسلام فكراً وعقيدة ، والتزمه منهجاً وسلوكاً .. بدأت رحلته مع الشعر منذ السنة الثانية عشرة من عمره ، إلا أن انشغاله مع الهندسة – دراسة وعملاً – لم يعطه الفرصة لنشر أشعاره في وقت مبكر ..
هذا الشاعر آمن بالشعر رسالة وموقفاً والتزاماً ، ونبذ المذاهب الأدبية الوافدة، التي لا تناسب نقاء الدين وسلامة القيم والتقاليد . وبيّن الغرض من شعره في قوله : “أنا لا أقوله متاجراً ولا مفاخراً ، ولا أنشده لاهياً أو لاغياً ، ولا ضالاً أو مضلاً ، ولكني آتي به مستغفراً ، وساعياً راجياً ، وحادياً مستنفراً” ( ) .
من خلال دراستنا لشعره الذي بين أيدينا وجدنا له شعراً في كثير من أغراض الشعر ومجالاته .. فقد طرق في شعره مواضيع دينية ووطنية واجتماعية ، عالج فيها ما آل إليه حال الأمة الإسلامية بجرأة وصدق وأمانة ..
والقارئ لشعر الجيتاوي يرى أنه قام على الالتزام بعقيدة التوحيد ، وانطلق من الفكر الإسلامي السامق الذي يبدو الاعتزاز به والانتماء إليه في كل قصيدة من قصائده..
يقول شاعرنا في قصيدة له بعنوان “القسم”( ) :
قسماً لن نحيدْ عن كتاب مجيدْ
من حكيم حميدْ عن رسول رشيدْ
قسماً لن نحيدْ
إنْ سُلِبنا الدّيارْ أو فَقَدْنا الدِّثارْ
اشهدي يا قِفارْ يا سَمَا يا بحارْ
.قسماً لن نحيدْ
ويقول في قصيدة “معالم” ( ) :
الله ربـي والرسول إمامي أنا لست أحمل شارة إلا التي من أمة الإسلام عنواني ولن |
لا أنـتـمي إلا إلى إسلامي أثر السجود يقيمها في هامي تـلـقـاه بعد مميزاً بأسامي |
والجيتاوي شاعر أسلم زمامه لمولاه وعاش يرجو رحمته و يطمع في هداه .. يقول في قصيدة بعنوان “مع الله” ( ) :
ربّ أسلمت زمامي لرضاكْ لا يُنيرُ الدرب إلا من سناكْ إن دجـا الليل وغارت أنجُمُ إن رمـى الـدهر بسهم نافذ إن هَـوَتْ آمـال عمرٍ كادح إن طـغى الظّلمُ وأبدى سيفه مـا لـقـلـبـي سيّدٌ أو قيّمٌ |
ربّ أوثقتُ عقالي في حماكْ ما بقلبي غيرُ فيض من هداكْ إن فـشا الداء ولانت أعظُمُ إن قـسا العيش وشحّ المطعَمُ إن جفا الناسُ وإن هم لوّموا وتـراءى فـي خيالي المأتمُ غـيـرُكَ اللهم أو مُـسْتَلْهَم |
وهو يلجأ إلى الله سبحانه بالصلاة والدعاء – وخاصة وقت الشدائد – اقتداء بالرسول القائد عليه السلام الذي كان إذا اشتد كربه قال : “أرحنا بها يا بلال” ..
فيقول في قصيدة بعنوان “في صحبة السجادة” ( ) :
أبُـنَـيّـة هاتي السجّادةْ أجـلـو أحزاني بعبادَهْ عـهداً من خير وسعادَهْ |
فـإلـيها قد تاقَتْ نفسي أتضَلّعُ من فيض الأُنسِ مع ربّ السّدرة والكُرسي |
ويخاطب اللاهين الذين غرتهم الحياة الدنيا وألهتهم عن الآخرة ، فقنعوا بالمناصب والمتاجر ، وقصروا عن القيام بواجباتهم نحو دينهم وأمتهم ووطنهم .. فيقول في قصيدة بعنوان “نذير” ( ) :
يا من رضيتَ من الحياة بمنصب أو متجَرِ
وبمركب أعددْتَهُ لوجاهة وتكَبُّرِ
وبمنزل زخرَفْتَهُ من كل لون مُبْهِر
هل يا تُرى إنْ فاجأتْكَ يدٌ من المُستعمِر
تحمي متاعَكَ أم تصيرُ لخيمةٍ في مَهْجَرِ !؟
.ثم يخاطب هؤلاء الذين لم يعتبروا بأحداث الزمان ، ولجّوا في العتوّ والضلال، وران على قلوبهم ما كسبوا ، فغدوا في عمه وعماية :
يا من يعيش على الضلالة مُمْعِناً في غيّه
يُملي له شيطانه يُنسيه هَدْيَ نبيّه
أحلامُهُ شطحات مطموس الفؤادِ عَمِيِّه
وخُطاهُ صدٌّ وانتكاس وابتعادُ هَوِيّه
أأمِنْتَ مكْرَ شديده في صُبْحِهِ وعشيّه !؟
من رجْفَةٍ أو خَسْفَةٍ أو صاعِقٍ بدَوِيّهِ !؟
تُنسي النّعيم كأنه ما قد مضى بِسِنيّهِ
.والجيتاوي شاعر عاش قضايا أمته معايشة حية صادقة ، فانفعل بها ، وصوّرها فأحسن التعبير عنها .. ومن يتصفح ديوانه “صدى الصحراء” يدرك أنه شاعر حيّ الفؤاد ، رقيق الإحساس ، يحسن التعبير عما يختلج في صدره من آلام ، فعندما وقعت نكبة فلسطين الأولى ، وتم تشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين نرى شاعرنا الجيتاوي ينظم قصيدة بعنوان “زفرات لاجئ يتيم” يجري فيها على لسان طفل لاجئ يتيم ، كلاماً يعبّر عن مدى الشقاء الذي يعانيه ، والحرمان الذي يكابده، فيقول :
أيُّ دربٍ فرشُهُ شوكٌ وآلامٌ كدربي !؟
أيٌّ قلبٍ دَفْقُهُ سِلٌّ وتبريحٌ كقلبي !؟
أيٌّ داءٍ مثلُ دائي يتأبّى كلَّ طِبِّ !؟
أين في الدنيا كتشريدي وحرماني وكربي!؟
.واقرأ معي قصيدته “رسالة الدم المطلول” التي اشتملت على ما يقارب المائة بيت ، وجاءت من أجود ما يصوغ شاعر قوة سبك وجزالة لفظ وحسن أداء . نظمها في شهر حزيران 1982م عندما احتلت إسرائيل جنوب لبنان حتى بيروت ، وضربت حصاراً حول بيروت ونكّلت بعشرات الألوف من المسلمين واستخدمت جميع أنواع الأسلحة الفتاكة دون أن يتحرك العرب والمسلمون لنجدة إخوانهم المحاصرين بأكثر من الاستنكارات .. يقول الجيتاوي في هذه القصيدة ( ) :
بئس الذّمام وبئس الأهل والعصب ويا هوانَ الذي في الخَطْبِ عِزْوَتُه إنـي لأسألُ في شكّي وفي ألَمِي : نـاديـتُـكم وفؤادي حُرْقَةٌ وأسى حتى الجلاميدُ قد رقّت لما سَمِعَت إن كـان ذبـحيَ لا يُذكي أُخُوّتكم |
بئس النِّفارُ وبئس الحَشْدُ والجَلَبُ أنْتُمْ ، وضيعةَ من فيكُم له النّسَبُ أكـان يـربطُ حقاً بيننا سبَبُ !؟ نـاشـدتُـكم كُلّ عِرقٍ حقّهُ يَجِبُ والـطير والبُهْمُ والأشجار تنتحب فـمـا الأخـوّة إلا الغشُّ والكذب |
ويقول في نفس القصيدة :
حـلّـت عـلى القلب آلام تمزّقُهُ تـاه الـقريظ وهذا الخطبُ حيّره لـكـنـها غصّة في الصدر باقيةٌ من كُلّ طفل على النيران مضطجع والأُمُّ نـائـحـة والـشيخ مُنكسرٌ والـجند شاكية في الساح ، واأسفا وعُـدّة ألـقِـحَتْ بالموت مشرعةٌ وإخـوةٌ مـا عـناهم من مصائبنا نـهـارُهـم فـي بـيانات مُلَفّقَةٍ |
وضـاقـت الروح من همّ له ذنب فـليس يدري المعاني كيف تُكْتَتَبُ لـلـروح كـاويـة نارٌ لها شُعَبُ لـه نشيش له في القلب مُصْطخَبُ والأخت مسبيّة والعِرضُ مُغتَصَبُ عـلى الأسود غداة الوثب تَحْتَجِبُ لـكـنـهـا منزل الأغماد تَنْعَطِبُ إلا بـمقدار ما احتجّوا وما شجبوا ولَـيْـلُـهم مُتْرَعُ الأقداح والحبَبُ |
ولما حاول اليهود اغتيال المجاهد خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – أمام مكتبه في شارع الجاردنز بعمان .. وهاجمه عميلان من “الموساد” بجهاز يضخ السم في الجسم ، ونفّذا العملية وهربا .. ولحق بهما مرافقه الخاص المجاهد البطل محمد أبو سيف ، وطاردهما وتمكّن من اللحاق بهما وتعارك معهما ، وتمّ القبض عليهما ..
نظم شاعرنا الجيتاوي قصيدة طويلة بعنوان “خيّال الجاردنز” تحدّث فيها عن عملية الموساد الدنيئة ، ووصف بطولة محمد أبو سيف .. وقال فيها ( ) :
أنت رفيعُ القدرِ (أبو سيفْ)
وأنا شاعِرُكَ الهيمانُ (أبو كيفْ)
أيقظتَ بلابل روحي بعد سنينْ
تأخُذُ من عُرْسِكَ فرحاً للأجيالْ
أهزوجةَ عيدٍ للأطفالْ
عِطراً للسُّمارْ .. معراجاً للأقمارْ
ستظلُّ على شفَةِ الوطنِ (عتاباً ومواويلْ)
يرفعُها (الكرملُ) و(المنطارُ) و(جرزيمْ)
سَتَظلُّ مواسمَ فرحٍ وقناديلْ
سيظلُّ اسمُكَ شُرفَةَ أملٍ
(لأبو غنيمَ) (وباب الوادْ)
سيظلُّ ربيعاً .. يتجدَّدُ في روض الأمجاد
وستبقى ، ما بقيَ الفَلَكُ .. كتاب وفاءْ
.ويعرّج شاعرنا الجيتاوي خلال مسيرته الشعرية على المواصفات التي يرى أنها يجب أن تتوفر في الشاعر المسلم ، وهو وإن وضع هذه المواصفات في إطار بوح ذاتي إلا أنه في الحقيقة يريد أن يقدّم إضاءة لما ينبغي أن يكون عليه الشاعر الإسلامي الملتزم .. فيقول في قصيدة بعنوان ” الشاعر ” ( ) :
عـلى مشكاة ديني صغتُ شِعري بـيـارقَ لـلـسُّراة على نجومٍ صَـواهـلَِ لـلـرباط مُسَوَّماتٍ رَواعِـفَ بـالـهوى القدسي إما وقـفـت وجوههن على المعالي ولـم أَعـبـثْ بـعقلٍ أو بحسٍ ومـا رَوَّجـتُ بْـامرأةٍ قريضي ومـا قرزمتُ مبنى الشعر ضعفاً ولـم أَصطدْ من الإغريقِ رمزاً أَلـمـلمُ عن جبين البدر حرفي وأُرسـلُ فـي تخوم العقل خيلي وفـي غاب البيان أُقيمُ صرحي * * * سـبـيـلـي كـلَّـه جِدٌّ وحزمٌ فـمـا لـلـضـائعين أُقيمُ ليلي أَذودُ الـشـعرَ عن تدليسِ رهطٍ |
عـزائِـمَ بـين أَشواقي وَجَمري طَـوالِـعَ مـن سنا الفجرِ الأَبرِّ مَـنَـاصِلَ حيثُ جَدَّ الجِدُّ تَفْري جَـلَـوْنَ حِـسـانهنَّ سداد ثغرِ فـلـم أَحـفِـلْ بزيدٍ أو بعمرو لأُبـهـجـهُ بـنشوةِ ذكرِ خمرِ فـيـبـرقَُ مـن على نهدٍ وثغرِ وَطَلْسَمْتُ الرُّؤى لِيقالَ : عصري لِـيـحـمـلَ بُعْدَ إيمائي وَسِرِّي لِـيـطلُعَ في سماء الشعر بدري فـتـعـنـو كلُّ شاردةٍ لأمري أُمارسُ نشوتي وطقوسَ سحري * * * أَصـونُ الـقول عن لغوٍ وهَذْرِ ولا لـلـعـابـثين أَصوغُ دُرِّي سَـعَـوْا بالبُهْتِ وائتمروا بمكرِ |
وفي قراءة للواقع المُرّ الذي تحياه الأمة وما تتعرض له من هجمات خارجية ومصاعب ، واستشراف للمستقبل القريب المملوء بالكوارث مع التشبث بالأمل الذي تبعثه في القلوب البدايات الجهادية الصادقة في كل من فلسطين والعراق واستنهاض للهمم والعزائم للبناء على هذه البدايات لاستكمال المسيرة المظفرة بعون الله .. نظم قصيدة بعنوان ” وطني أنت لها ” قال فيها:
المدى ريح الليالي المدلهمة .تحرق الأنفاس في خمر المهمّة
لم تعد وهماً ، وقد يوقظ وهمه آرق يستودع الأغلال همّه
إن أَمضّته شهود الحال ضمّه
غائر جرح الندى والصمت ذله وبيوع الصدق غابت أن تقله
كيف ترعاه مواقيت الأهلة بعد أن ألقى عليها الوهنُ ظله
.فغوت بين المعاذير المضلة
رفع الجرح على الآفاق راية من صبا دجلة من وهج البداية
شمسها بغداد للسهران آيه إن دجا الليل عليها فهي غاية
.مشرقُ الفتح وبرهانُ الولاية
من طيوف الفجر يستفتح ربه فهو في الردة محراب وقبة
ناشراً جنحيه في روض الأحبة أن رأى ( سعدا) رمى في الحال قلبه
يا عيون الفتح هاتي اليوم شربه
عُروةَ الروح التي صارت أُواما فتجليتِ حساما وغماما
تمطرين الوعد اطرافا وهاما يرتوي الظمآن فيها مستهاما
ها هنا المؤمن قد زكى وصاما
من (جنين العزِ) أطلقت الهوية صيحة لله لا ترضى الدّنية
عقد (القسام) فيها خير نية في سبيل الله نصراً أو منيّة
.هي للأقصى منارات السّرية
هلَّ (ياسين) بها من نخل غزة هزه الإيمان والظلم استفزه
لبّت الأكناف تكبيراً وعزّة وتداعت هزة من بعد هزة
الحماسيُّ أتى الذل فجزّه
الطيور الخضر حامت في ربانا توقظ الليل على وقع خطانا
هانت الدنيا ومولانا دعانا فاتخذنا لفتاوانا دمانا
هتف المسرى وحيتنا سمانا
كبر الأقصى على جرح العراق وسقى دجلةُ قنديلَ البراق
الجوادان على سوح السباق يرسمان الدرب للخيل العتاق
.فاشربي يا قدس فنجان التلاقي
ليس بعد اليوم نوم أو سكينة نهض الإسلام يستوفي ديونه
منذ قرن والثعابين اللعينة تنفث السّم بأعراق المدينة
.آن للمؤمن أن ينصر دينه
وطني أنت لها والعز غالي لم تزل في الدهر قيدومَ المعالي
شامخاً بين جمال وجلال عافيا بين غلال ودِلال
زادك الله شموخا وجلالا ورعاك الله يا كَرْم الرجال
.وترى في شعره ومضات مشعة من الأمل ، وتطلعات إسلامية إلى مستقبل مشرق، وعودة إلى الله تأخذ بالأيدي المتوضئة إلى سواء السبيل . ومن ومضات الأمل المشعة قوله ( ) :
لـئن طال ليلي ستشرق شمسي وتـصفو حياتي على نهج ربّي ويـشتدُّ عودي وأحمي حُدودي وفـي كـلّ مِـضمار فنّ وعِلْمٍ وفـي كـل سهل وفي كل تلِّ |
وتـجلو هُمومي وتمسح بؤسي وتـغـدو صفاتي مناط التأسّي ويخشى الأعادي نزالي وبأسي سيشدو يراعي ويسطعُ طِرسي سَيُمْرِعُ زرعي ويَخْضلُّ غرسي |
وللجيتاوي شعر اجتماعي جيد النظم ، منتقى الألفاظ ، جلي المعاني ، إسلامي الموضوع ، موفق الأداء لفظاً ومضموناً .. له أثر في النفس أيّ أثر .. استمع إليه في قصيدته الرائعة “الجلباب” التي نظمها بمناسبة انتشار الزي الإسلامي المبارك بين المسلمات ، فيرى فيه لباساً للطهر والفضيلة ، ويحث البنات على التمسك به وعدم خلعه .. ويصف هذا اللباس الشرعي فيقول ( ) :
حـيّاك المولى من منظرْ يـا حصناً يحرس مُؤمنة يـعـلـوكَ جلالٌ ووقارٌ فيغُضُّ الطرفَ على رَغَبٍ |
يـا ذاك الجِلباب الأخضرْ مـن عين الرّيبة والمُنكرْ يـغشى الإنسانَ إذا أبصرْ أنْ يَـنْظُرَ في حُسنِكَ أكثرْ |
ويتحدث في نفس القصيدة عن الفتاة المسلمة التي تعتز بإسلامها وتحسن تربية أبنائها ، وتفخر بهذا اللباس ، فيقول :
أنا بنت من صُنع القرآن خطواتي يحرسها الإسلام من مصنع (أحمد) جلبابي مـن وشي الجنّة منسوجٌ الـتـقوى لابنة عمران |
يُـسدِّدُني خوف المَحْشَرْ فـمـا تـكـبو أو تتعثّرْ أفما يجْدُرُ بي أن أفخرْ ؟ وبـريح الفردوس مُعَطّرْ والسّيما من بنت الأزورْ |
وله شعر في الوجدانيات يُنبئ عن قلب كبير نابض بالحب والمودة والصفاء .. شعر يسكبه شذاً عطراً ويرسله أغاريد عذبة حين يتحدث عن بناته مثلاً .. فنراه يخاطب ابنته “ميسون” بقوله ( ) :
مـيـسـون تيهي في ثيابك وانعمي إنـي وهـبـتُكِ مُهجتي من قبل أن أنـا إن نـظـرتُ إلـيك ساعةَ شدّة وإذا سـمـعـتُكِ تُنشدين حَسِبْتُ أنّ إن تـرتـدي (المريولَ) أدعو الله أن وإذا (الإشـارُ) عـلا جـبينَكِ خلتُهُ |
تـغـذوك من قلبي الحشاشة فاسلمي أهَـبَ الـثـياب فسيطري وتحكّمي تـنـأى الـشدائدُ إن لمحْتُكِ تَبْسِمي الـكـون جـمـعـاً آخـذٌ بِـتَرَنُّمِ يـحـمـيك من عين الحسود المجرمِ قد صيغَ من روحي وزُرْكِشَ من دمي |
والجيتاوي أب تراوده آمال عذبة ، فهو يطمح للأبناء أن يحققوا ما عجز عنه الآباء .. وهو يريد لولده أن يكون ولداً صالحاً عالماً بالقرآن ، وأن يرفع راية التوحيد لإعلاء كلمة الحق ، فيقول ( ) :
عـبـد الرحمن أيا ولدي أأنـال مـن الـدنـيا أرباً أتـكـون عـليماً بالقرآن وحـديث (محمد) تُخرجُهُ وأراك تَـرَسّلُ في الفتوى وتَحُثّ الناس على الإحسان شـيـخُ الإسـلام وعالِمُهُ وأمـوت وتحمل في نعشي وتـنـافـح عني تدعو لي وأقـول لدى العرض لربّي |
يـا أمـلا ًيكمُنُ في خَلَدي وأراك تـدَرَّجُ في صُعُد ؟ تـدُلُّ الناس على السّدَد ؟ وتُـمِـدُّ الـفـقـه بمستَنَدِ فـي ثـوب فقيه مُجْتَهِدِ ؟ وهـجـر الـمنكر والفَنَدِ ومـنـارُ الحكمة في البَلَدِ وتَـؤُمُّ الجمعَ على جسدي بـالـرحمة والعفو الأبدي هـا قـد قـدّمْتُ ليوم غَدِ |
ثم يدعو للأبناء بهذا الدعاء الصادق :
بـارك يـا ربّ مساعيهم عن شرّ الخلق وعن غَسَقٍ وأعِـذْهُمْ يا ربّ وصُنْهُمْ |
واحـفظهم وانصرهم وَذُدِ وعـن الـنّفاثةِ في العُقَد مـن شرّ الحاسدِ والحَسَدِ |
أتيتك يا طبيب بصنو روحي أتَـيْتُكَ بادِيَ الحسراتِ تُغني عـليل النفس مسلوب التأسّي كـأنـي في ذهول اللُّبّ عني |
فـضـمِّد إذ تُداويه جُروحي مُشاهَدَتي وحالي عن شروحي وشيكَ اليأس مُنحسِرَ الطّموح نَهلْتُ من المدامة في صَبوحي |
له في الرثاء شعر فيه عاطفة صادقة .. كقصيدته “في وداع المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي” التي يقول فيها ( ) :
أدّى أمانة دينهِ بجهاده وبصبره في كل خطب مُفْجع
.وله في المناسبات الإسلامية .. كقصيدته “في ذكرى مولد الرسول” التي يقول فيها ( ):
سـيّـدي : قـد صـدقـتنا القول كـل مـا خـفـتـه تـحـقق فينا زارنـا الـجـهـل واسـتراح بنا وارتـضـيـناه أمراً فأرانا العرف وعـمـهـنا فما نميز من المشرق فـغـدونـا نـسـتـنـبت الشوك وهـدمـنـا حـصـوننا ونضونا فـاسـتـبـانـت عوراتنا ورمانا وفـقـدنـا (الأقـصى) وهانت بنا وتـركـنا الفقيد في (مجلس الأمن) وأضـعـنـا ثـمـالـة من عقول (مـن يـهـن يسهل الهوان عليه) |
والنّصح وأنت الصّدوق ما من جدال خـطـوة خـطـوة وحـالاً لحال ديـنـاً عـلـى فـرط فتنة ودلال نـكـراً والـزيـغ صـنو الكمال غـربـاً أو يـمـنـة مـن شمال والـحـنظل في حقلنا مكان الدوالي درعـنـا بـيـن غـفلة واحتيال كـل ذي مـطـمـع قـديم النبال الأوطـان فـي موجة من الترحال رهـيـن الـنـسـيـان والإهمال وفـقـدنـا الإحـسـاس بالإذلال مـا لـجـرح بـمـيـت من نكال |
يوم الكرامة يومٌ كان مطْلَعُهُ قدومُ سعدٍ على الإسلام والعرب
.ولشاعرنا قصائد من الشعر الحديث [الحر] .. ومع ما لنا من ملاحظات على الشعر الحديث لا نرضاه بسببها بديلاً للشعر الأصيل إلا أن قصائد الجيتاوي جاءت دفقة شعرية معبّرة لما يعتمل في النفس من عاطفة ووجدان ..
يقول الشاعر في قصيدة عن الأقصى ( ) :
يا مسجدي … إن يحرقوك ويهدموكْ
يا مسجدي … إن يخذلوك ويُرخصوكْ
فلقد أقمتُك في فؤادي
وصهرتُ غضبتَك الرهيبة في مدادي
وسفحتُ فيك مدامعي
وجعلت تُربَكَ من رمادي
من مقلتي … من أعظمي
ونقعت غُلّتك الأبية من دمي
وشببت نارك في النجوم وفي الذرا
لأنير درب السائرين
وشدوت باسمك في الصباح وفي المسا
لأثير وجدَ العاشقين
وقرعتُ طبل الهول من ألم النوى
فلعلني أنهي سُباتَ النائمين
ويقول في قصيدة بعنوان “دعاء” ( ) :
سَل عن مصائب أمتي تلك القِلاعْ
أصل المآسي والضّياع .
ويتساءل فيها عن قلاع الإسلام الشامخة التي تدل على عز مضى ، وسؤدد ضاع، وكرامة دُفنت .. يزورها الناس وهم لاهون ، لا تنبعث في قلوبهم حسرة ، ولا تتحرك في نفوسهم نخوة .. فيصف هؤلاء الناس الذين تبلّد إحساسهم بقوله :
شكلُ العيون ولا عيونْ
صُمٌّ وبُكُمٌ تائهون مُخدّرونْ
أولى بنا أن لا نكون
من أمة الأنعام تحسَبُنا خُلِقنا للحلائب والرُّكوب
وإذا تململنا سُحِقنا
صِرنا تماثيلاً وأشباحاً تَدِبُّ على الدروبْ
ويتحسر على الشباب الذين تتلمذوا على الغرب وأخذوا من الحضارة كل ساقط وهزيل ، وانصرفوا عن الخير :
وصنائع الغرب الحقود كأنهم زُمَرُ القرودْ
حسبوا الحضارة في مُحاكاة البرودْ
تركوا الأصالة والفضيلةْ
وتنكّبوا درب الهُدى
واستحسنوا عيش الرذيلةْ
وفي آخر القصيدة يعيب الشاعر على الطبيعيين الذين تتلمذوا على موائد الإلحاد وقالوا إن الطبيعة هي التي خلقت الإنسان .. فهم بعلمهم هذا لم يبلغوا علم الأعرابي القائل : البعرة تدلّ على البعير ، وآثار الأقدام تدل على المسير .. فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج .. أفلا تدلّ على اللطيف الخبير.
يقول الجيتاوي ( ) :
وبني الطبيعة ، ويحهمْ !
أيشكُّ في الله العظيم سوى الذي فقَد َالحجا ؟
وغدا من الأحياء مَسخاً شائهاً لا يُرتجى ؟
أهيَ العمالة والمكابرة العميّة ؟
أهي الخيانة والمروق ؟
أهي انتكاسُ العقل والفطر السويّة ؟
الشهب في عليائها
والطير في أجوائها
والبهم في بيدائها
والهائمات على هواها
والشمس في إشراقها
والليل لما أنْ تلاها
كلُّ يُسَبِّحُ للإله بحمده
كلٌُّ يُمَيِّزُ غيَّهُ من رُشدِهِ
إلا الطبيعي السّفيه
آثاره الأدبية
1- صدى الصحراء – ديوان شعر ، [دار الفرقان : عمان] ، 1983م .
2- قناديل على مآذن القدس – ديوان شعر ، [دار الفرقان : عمان] ، 2001م .
3- قول متدارك على البحر المتدارك – بحث عروضي .
4- له ديوان شعر مخطوط للأطفال بعنوان “روضة البلابل” ، وكتاب عن الشعر الحر .
قصائد مختارة من شعره
1
قناديل على مآذن القدس
القدس … مدينة الأقصى .. وأرض الإسراء والمعراج .. وقبلة المسلمين الأولى .. مدينة سجد على أثرها أنبياء الهدى ، وملائكة الرحمن .. مدينة الجنة تحنّ شوقاً إليها ، بل إنها بقعة من بقاع الجنّة .
هذه المدينة عندما أشرق عليها نور الإسلام ، عاشت في عزٍّ وقوّة ومنعة .. وأصبحت مهوى القلوب المؤمنة ، ومعقل الأجداد الفاتحين ، وقلعة الرّباط الأولى .. ومنذ دخلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاتحاً ، عَلاها صوت بلال رضي الله عنه مؤذناً : الله أكبر .. الله أكبر .. وتسابق إليها الصّحابة – رضوان الله عليهم – يهلّون منها بعمره ..
ولمّا تغيّرت عليها الأحوال ، وألمّت بها النائبات ورزحت في الاحتلال ، وخَفَت فيها صوت الأذان … أخذت تستغيث شباب الإسلام ، وتترقب الخلاص من قيود الاحتلال ..
وهذه القصيدة التي نقدّمها نظمها شاعرنا الجيتاوي عام 2001م ، ونشرها في عدد من الصحف ، وفي ديوان ” قناديل على مآذن القدس ” .. وقد هاله الواقع المرّ الذي تعيشه القدس في هذه الأيام .. فقام يذكّر المسلمين بأيام العزّ والمنَعَة التي عاشتها القدس في الماضي .. ويدعو أبناء الأمة الإسلامية لإعداد العدّة وتلبية النداء ، لإنقاذها من الأعداء ..
أبيات القصيدة( )
لـي فـي هـواكِ مـدائـنٌ ومرابعُ وعـلـى جـبـينِكِ قُبلتي، وأَهلَّتي يـا قدسُ يا فرحَ الحياةِ ، إذا ارتوى وإذا شـدا فـي الأيكِ صَبٌّ فهو في أَرَقُ الـوجـود عـلى غِلالَتِكَ التي رَسَـمَ الـوجـودُ جـمـالها وكمالها وأنـا عـلـى شـفـة الخلود مُعاقِرٌ وعـلـى مـدى إيـمـاءِ عينِك قائمٌ إن كـان حُـبُّـكِ حَـجَّـةً مبرورةً فـأنـا ببابِكِ ناسكٌ ، وعلى رُموشِكِ رَوَّيـتُ شِـعري في صَلاتِكِ مُثخَناً والـبـيضُ تسجدُ في أُرومتِكِ التي فـي راحـتـيـكِ حـمـائمٌ وولائمٌ حَـلاّكِ بَـدْرٌ ، والـبـدورُ أَهِـلَّةٌ حَـفَـلَـتْ به الدنيا لديكِ ، وأشرقَ جَـلَّـى جبينُك ما الخيالُ وما السُّرى وَهَـجُ الـكـرامـةِ كَعبةٌ للعاشقين فَـضْـلُ الـعليِّ على الصفيَّ ولايةً تَـبـقـى الـقـلوبُ حِيالَها مَشبوبةً * * * يـا قـدسُ مـالـي في هواكِ تَقِيَّةٌ يَرضَى الذي يَرضَى،ويسخطُ ساخطٌ مـا ظَـلَّ غـيرُ حُشاشةٍ أُرْمَى بها حَـطَمَ الزمانُ عمودَ روحي ، وانثنى فـأنا الغريب على حِياضِكِ ، والمدى جـاسـوا بأَنفاسِ الصدورِ وما رَعَوْا مِـنْ تـاجـرٍ شَرِبَ الدماء رواحلا أو فـاجـرٍ أَلـقَـتْـهُ أقبيةُ الرَّدى سَـكرانُ ما عرف الصلاةَ ولا الهُدى هَـزُلَـتْ على سُوحِ الطِّماحِ قَضِيَّةٌ قـالـوا الـسـلامَ ، قُلِ السلامُ على أَأَنـا الـمـلـومُ إذا رفعتُ عَقيرَتي أَأنـا الـمـلـومُ إذا رَجَمْتُ خَطِيئَةً الـقـدسُ قـدسي والقِبابُ صوامعي * * * يـا قـدسُ لا تَـهِني ، فأنتِ حَظيَّةُ كُـفِّـي الـدمـوعَ فما المُرِيدُ بكاذبٍ فـي جِـيـدِكِ الـعـشاقُ عِقدُ مآثرٍ تـلـك الـمهورُ على هُتافِكِ تنتخي شَـدَّتْ (حَـمـاسُ) سُروجَها فكأنها هِـمَـمٌ عـلـى هامِ النجومِ عَجاجُها تَـسْـتَنْبِتُ الحسناتِ في نار الرَّدى تَـتَـربَّـصُ الأيـامَ وهـي كَواسِرٌ تـرنـو لـمـوعدها وتزرعُ طِفْلَها الـيـومَ لـلـغـد آيةٌ ، فإذا استوى وَعْـدٌ عـلـى الأَحـداق يرسُمُ ظِلَّهُ صِـدْقٌ ، وتـعـرفـهُ اليهودُ وإنه يـحـدو له حجرُ الطُّفولةِ في المدى هـذي الـدمـاءُ عُجالةٌ ، أو (جاهةٌ) فـيـكِ الرِّضا ولكِ الرِّضا ، ولِكُحْل |
وعـلـى شَـجـاكِ سحائبٌ تتدافعُ لـلـبُـشْـرَيـاتِ عـزائمٌ وطلائعُ ظـمـأٌ ، فـمِـنْ عينيكِ فيه نوازعُ سِـرِّ ابـتـسـامتِكِ الحزينةِ خاشعُ تـسـقـي الخيال ، شمائلٌ وروائعُ وظـلالـهـا ، والـحـادثاتُ ذرائعُ طِـيـب الـلَّما ، وفمُ الأَثيرةِ شافعُ وعـلـى شَـذاكِ مُـرابـطٌ ومُقارعُ يـحـدو لـها الحادي ويهفو السامعُ عـاشـقٌ ، وعـلى بحورِكِ ضارعُ والـقـلب في سُبُحاتِ وجهِكِ راكعُ وَطِـفَ الـغـمامُ لها وأوفى الزارعُ وكـتـائـبٌ ومـواكـبٌ ومَصارعُ حَـدِبَـتْ عـلـيه ، مُبارِكٌ ومُبايعُ الـمـسـرى وقامت للخيال مَجامعُ صَـنَـعا ، فما بخلا ، وجَلَّ الصانعُ إقــامـةٌ وشـفـاعـةٌ ومـدامـعُ والـكـون بـالأمر المهيمنِ صادعُ وإذا غَـفَـتْ فـعلى رُؤاكِ هواجعُ * * * فـالـعـمـرُ دونـكِ أَجْدُبٌ وبَلاقِعُ سِـيَّـانِ عـندي ، لستُ فيك أُصانعُ وَلَـئِـنْ رُمـيـتُ بـها فإني بائعُ لِـضُـلـوعِ مملكتي ، وَلَجَّ الطامعُ لَـمْـعُ الـسراب ، وأَعْبُدٌ تتصارعُ إلاً ، وأوحـى شـيـخُـهم فتبايعوا أو خـانـعٍ أَدمـى قَـفـاهُ الصافعُ بـيـن الضلوع ، وما عساهُ الضالعُ والـيـومَ عـن عَـتَـباتِها يترافعُ فُـرسـانُـهـا عُـوَّارُهـا المُتَدافعُ السلامِ ، وقل على هذا السلام زَعازعُ فَـهَـفَـتْ إلـيَّ بـلابـلٌ وَسَواجعُ أَطَّ الـحَـطَـيـمُ لِـهَوْلها والجامعُ ولـهـم كـهـوفٌ لـلخَنا وصوامعُ * * * الـدنـيـا ، وللبَشرى عليكِ طوالعُ كـلا ، ولا سـاري الـشهادةِ راجعُ خَـشَـعَ الـزمـان لحُسْنها يتواضعُ جُـنَّ الـهُـيـام فَحَمْحَمَتْ تتسارعُ قَـدَرٌ يـمـوجُ وأَنـجـمٌ تـتـدافعُ تَـتَـثاءبُ (الزهراءُ) ، وهي طوالعُ والـمُـرْجِـفون على الهوانِ أَشايعُ وتُـصـابِـرُ الأحـلامَ وهي مدامعُ نَـخْـلاً ، ويـرعـاهُ الخيالُ الواقعُ قَـدَرٌ ، فَـلِـلـزَّفَـراتِ بَوْنٌ شاسعُ مـا شَـدَّ طـفـلٌ أو تـفـجر يافعُ رُعـبٌ يُـهيمن في القلوبِ مُضارعُ نَـهَـدَتْ إلـيـه سَـوادِسٌ وسوابعُ والـمـلـتقى يا قدسُ بحرُكِ واسعُ عـيـنيكِ الفضاء ، جَماجِمٌ وأَصابعُ |
قصائد مختارة من شعره
2
الغضبة القدسية
كانت القدس ومازالت تحتلّ مكانة خاصة عند العرب والمسلمين ، فهي بلد الإسراء والمعراج ، وفيها المسجد الأقصى المبارك ، أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ..
وقد ارتبط المسجد الأقصى بعقيدة المسلم حينما ربطه القرآن الكريم بمكة المكرمة في سورة الإسراء ، وغدت حمايته والدفاع عنه ، وتحريره من أيدي الغاصبين واجباً على كل مسلم ومسلمة ..
وفي عام 1387هـ/1967م قام اليهود باحتلال مدينة القدس ، واحتلال جميع فلسطين .. ووقع المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم ، وقاموا بالاعتداء عليه مرات ومرات ، وحرقوا منبر صلاح الدين .. والعرب والمسلمون ينظرون إليهم في ذلّ واستكانة ولا يتحركون ..
ولما رأى شاعرنا الجيتاوي هذا الحال ، ولاحظ أن مشاعر اليأس قد استبدّت بالناس .. انبرى يشجع أبناء أمته ، ويدعوهم إلى خلع أردية الغفلة ، وأثواب اليأس والقعود ، ويدعوهم إلى مجابهة الباطل ومقارعة العدوان ، وتحرير القدس الشريف..
فجاءت هذه القصيدة عام 1401هـ/1981م نابعة من أعماق نفس معذّبة ، وفؤاد مكلوم ، بذكر القدس وفلسطين في كل نبضة من نبضاته و كل خلجة من خلجاته .. وهو يتطلع إلى أرض مباركة وشعب مؤمن وغد مشرق .
أبيات القصيدة ( )
دع عـنـكَ خـادِعة الأماني تـمـضي السِنونَ تلي السنينَ تُـصـغـي لأخـبار الطِّعانِ هـذا سـبـيـلُ الـعاجزينَ ومَـحَـطَّ آمـالِ الـضعيف الـنَّـصـرُ والـتثبيتُ تُطْلَبُ بـالـهـامِ والـمُـهَجِ الغوالي بــالـنـارِ بـالإعـصـارِ عَـقْـدٌ ونِـصْـفُ الـعَـقْدِ الـمـشـرقـان تَـنـوحُ من الــقــومُ قــد خَـذَلـوهُ |
وانـهَـضْ فـما هذا التّواني وأنـتَ مـعـقـولُ الحِصانِ تَـظُـنُّ ذاك مـن الـطِّـعانِ ومَـذْهَـبُ الـغـيـدِ الحسانِ وخُـطَّـةُ الـنـذل الـجبانِ فـي لَـهـيـب الـمَـعْمَعانِ والـسـواعِـدِ والـقـوانـي بـالـزلـزالِ تَتَّضِحُ المعاني والأقصى يَئِنُّ من الهوانِ ([1]) مـأسـاتـهِ والـمـغـربانِ مـا وَفَّـى الصَّريخُ ونَجْدَتانِ |
([1]) وقع المسجد الأقصى في أيدي اليهود سنة 1967م 1387هـ .
طـاشـت حُـلـومُـهمُ وما ثبتوا على قَرْعِ الشُّنانِ وتـبَـعـثَـرَ الـزحفان وانكشَفَت غياباتُ الدُّخانِ أبْـخِـسْ بـه ثـمناً لِفخرِ عُصورِنا : إعْذارُ جانِ قـد كـان أولـى أن نَـبـيـدَ فِدَىً ولا يَعنُو لِشانِ إيـهٍ صـلاح الدين : هل من مِنبرٍ للعِزِّ ثانِ ( ) ؟! الـقـومُ صاروا مثلَ أهلِ الكهفِ في فيهِ الزَّمانِ ! تَـتَـقَـلّـبُ الأجـسـادُ لكن أين يَقظانُ الجَنان !؟ يـا ويـحـهـم أيَـظَلُّ مسجدُهُم بمحنَتِهِ يعاني !؟ ويـكـون . غـايـةُ ردِّهِم أنشودةً في مهرجانِ !؟ ومَـذلَّـةَ الشكوى لمجلسِ ما يُسمّى بالأمانِ ( ) !؟ تَـمـحـو سخائِمَهُمْ ( ) فتصفو جلسة أو جلستان ! شـجـبـاً ، فـينقلِبون ما بين المرابعِ والمغاني ! يـتـفـاخـرون ويـمرحون كأنَّهم نالوا الأماني ! (ويـعـيِّـدون) ويـرسلون لبعضهم حُلوَ التَّهاني ! إن يـغـضَـبوا يا حُسنَهم أقصى مَداهُم ساعتان ! هانوا فهم (تَيْمُ) ( ) المحافِلِ في الغيابِ وفي العيانِ ! يـا ليتَهُم كانوا (تميماً) ( ) في الطِّرادِ وفي الحِرانِ يـا لـيـتَهُمْ (مُضَرٌ) ( ) بغَضبتهم ترَدَّدَت الأغاني أهـل الـسـمـاحـة والـبشاشةِ والتحلُّم والليانِ ! سُـحـقـاً لـكُـلِّ سـمـاحة الدنيا وأنعمْ بالسِّنانِ قـم يـا أخا الإسلامِ جرِّدْ مَشرَفِيَّكَ ( ) واليماني ( ) ودَع الـمـلاهـي هَـمَّ خِـلاَّن الأرائِـكِ والدِّنانِ والـمُـتـرَفـيـنَ المُتْخَمين يُزاحِمون على الجِفانِ مـا عـادَ يُـقـبَـلُ أن تُـجـالدَ باللسان وبالبنانِ صِـرنـا عـبـيـداً لا عِباداً في شريعة كُلّ جانِ أسـرى نـعـيـشُ كأننا مِن أمةٍ أخرى عوانِ ( ) وحـقـوقُـنا ضاعت على عَبَثِ المجالسِ واللِّجانِ قُـمْ يـا أخـا الإسـلام لـيس سواكَ يُندَبُ للطِّعانِ الـعِـزُّ مَـعـقـودٌ عـلى الهامِ الذي يتلو المثاني والـمـجـدُ أنـت لـه وفي يُمناك تحقيق الأماني لـلـه دَرُّكَ يـا فـتى يا فارسَ الحرب العوانِ ( ) قـم تـاجر المولى بِبَيع (الصَّفِّ) ( ) من آي البيانِ لا تـرتـضي غير النَّجيع ( ) مُهورها حورُ الجِنانِ يـا (قـدسُ) صـبـراً لـلزمان فإن نصرَ الله دانِ إنـي لألـمَـحُ فـارسَ الغمراتِ ( ) يُمسِكُ بالعِنانِ فـي صـدرهِ الـقـرآن فـي يُمناهُ سيفٌ هِندُواني آتٍ يـكـادُ يـطـيـرُ يـنتهب المفاوِزَ في ثوانِ تـحْـدو لـه (الأنـفالُ) و(الإسراءُ) ، نِعْمَ الحاديانِ يـا قـدسُ أنـتِ الـروحُ أنتِ القلبُ أنت المُقلَتانِ أنـتِ الـهـوى ، أنـتِ الحياة بعِزِّها والصّولجان أرواحـنـا تَـفـديـكِ خـالـصةً وما مَلَكَت يدانِ تـبـقـيـنَ فـي أيـامِـنـا شمساً تراءَى بافتِتانِ تـبـقـى مـآذِنُـكِ الـنجومُ الزُّهرُ تصدَحُ بالأذانِ ويَـظـلُّ مـحـرابُ الـنـبـيِّ مُكرَّماً في كُلِّ آنِ |
قصائد مختارة من شعره
3
ولكن هذا العامل الذي يبني بعمله المجتمع ، وتقوم على نشاطه نهضة الأمة، ويسعد بإنتاجه الناس .. أغفله المجتمع في هذه الأيام .. وكانت لفتة طيّبة من شاعرنا الجيتاوي بأن ينظم قصيدة جميلة رائعة عام 1985م ، يمجّد فيها العامل ، ويعلي من شأنه ، ويشركه في بناء الوطن ، ويصف ألواناً كثيرة من نشاطه المتعدّد الذي يبدأه كل يوم باسم الله ، وفي طاعة الله ومراقبته ، بعد أن يصلي الفجر و يقرأ القرآن ، وينطلق إلى عمله بهمة ونشاط و إيمان ..
هذه القصيدة التي استهلها الجيتاوي بقوله :
رُشوا الطريق ندىً وزهرا لفتى يغذّ السّيرَ فَجرا
.إنّ فيها من التكريم والتمجيد والتوجيه للعمل والعمال بما يدفعهم إلى الرضا عن أنفسهم ، والاعتزاز بعملهم ، والثبات على الإيمان .
وقد لقيت هذه القصيدة ثناءً واستحساناً عند الذين اطلعوا عليها .. ومن ذلك أنها تُدرّس في مدارس المملكة العربية السعودية للذكور والإناث .. ومن ذلك أيضاً اختيار الأستاذ الأديب أحمد الجدع لها ، والكتابة عنها في الجزء الأول من كتابه : ” أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر ” .
رُشّوا الطريق ندى وزهرا عـقـدَ الـرّشـادَ لـيومه ومضى على درب الرّضى فـي صدره تتماوج الآمال والأرض تـهـتف للخطى أنـعـم بـه مـن فـاتح يـا فارس العصر المجلّى هـي قـصة الحب الكبير فـوق الجبال على السهول وعـلـى الـمدائن والقرى فـي كـل شبر من ربوع بـيـد الـرجـولة صغتها حـتـى بـدت كـعرائس تـعـنـو لـفتنتها القلوب قم وارق عرش الجدّ وترا إنـي لأقـرأ فـي عيونك وعـلـى جـبـيـنك آية هـذا قـصيدي في ركابك مـن نور وجهك قد أضاء إنـي لأقـسـم والـمزاعم “قـبـل الجميع لك الوسام يـا مـعـبر الأمل القصي يـجـتاحني بوح الجراح هـمّـي وهـمّك والهوى ذاك الـحـبـيب إلى متى تـلـك الـربوع المستغيثة أفـمـا شـجـاك أنـينها أتـقـرّ والأرحام مضرمة أفـمـا لـهـا يـوم أغرّ قـسـمـاتـه نـبـويّـة ألـقـت عـلـيك ظلالها |
لـفـتـى يغذّ السير فَجرا مــع ربّـه آيـاً وذِكـرا تدعو له (بشرى) و(يسرى) والأشــواق تــتـرى الـشـمّـاء ترحيباً وفخرا قـهرَ الصعاب وعاش حرّا دمـت لـلأوطـان ذخرا تـصـوغها سطراً فسطرا حـروفـهـا تهتز خضرا تـخـتـال مـعماراً أغرّا بـلادنـا لك حسن ذكرى وجـلـوتـهـا فنّاً وفكرا الأحـلام ألـواناً و عطرا فـتـنحني وتقول : شكرا واسْب النفوس هوى وشعرا سـورة الإخـلاص جهرا الـقـديـس إيماناً وطهرا يـزدهـي ألـقـاً وسحرا ومـن زنـودك جـاء تبرا جـمّـة والـحـق يُدرى وأنـت بـالقبلات أحرى” وقـد ذوى كـمـداً وقهرا واسـتـمـيحك فيه عُذرا بـيـنـي وبينك ليس سرّا يـمـتدّ في الخفقات جمرا والـصّـدى يـرتدّ ذعرا أفـمـا تـوقّـد فيك ثأرا الـحـشـا نـزفـاً وأسرا يـغـيّـر الـحال الأمرّا عـمـريـة صدقاً وصبرا فارْعَ الظلال جزيت خيرا |
المصادر والمراجع
1- ديوان “صدى الصحراء” ، عمان ، 1983م .
2- ديوان “قناديل على مآذن القدس” ، عمان ، 2001م .
3- المِذَرَّة (رحلة أدبية نقدية) بقلم الدكتور زكي الشيخ حسين كتانة .
4- رسالة شخصية وقصائد مخطوطة موجهة للمؤلف .
5- قصائد منشورة في الصحف والمجلات .